أزراج عمر يكتب:
الجزائر.. سياسات التخويف
منذ إصابة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة بالمرض إلى اليوم وأعضاء الحكومة الجزائرية ومعهم قيادات أحزاب الموالاة وشتى الجمعيات والروابط والنقابات، ورؤساء المجالس العليا بمختلف أنماطها، فضلا عن عدد كبير من الشخصيات الوطنية المحسوبة على عصر الحزب الواحد، يحاولون الدفاع عن النظام في الجزائر بطرق شتى وهدفهم المعلن والباطني هو ضمان البقاء في السلطة.
في هذا الإطار أدلى خلال هذا الأسبوع وزير العدل الجزائري، طيب لوح، بتصريحات ذكّر فيها الشعب الجزائري أنه قد نجا من السقوط في فخ ما يدعوه بالديمقراطيات المعلبة، ومن مكائد ما يصطلح عليه بالربيع العربي، الذي يرى هذا الوزير أنه وُظّف تحت شعار براق ولكنه مكدس بالسموم بهدف تخريب منطقة الشرق الأوسط الكبير بآلية الفوضى الخلاقة التي تمكنت من القضاء على الهوية السياسية لعدد من الدول العربية المهددة في تقديره بالتحطيم الكامل على المدى المنظور.
لا شك أن وزير العدل الجزائري يعيد الأسطوانة المشروخة التي ملت الشعوب العربية سماعها وهي أسطوانة تكالب الدول الأجنبية على استقرار دولنا، علما أن أزمات بلداننا وإخفاقات التنمية فيها لم تكن مباشرة من صنع أيدي القوى الغربية الكبرى بل إن كل شيء كان بسبب الحكم الديكتاتوري الذي فكك النزعة الوطنية، وبدد الثروات المادية والرمزية، وعطل المواهب وكرّس الغبن في الأرياف والمدن، فضلا عن إقصاء كل الطاقات الحية التي كان من المفروض أن تقود المسيرة نحو التحديث والتقدم الاجتماعي والتنوير الثقافي والتربوي.
في هذا السياق يمكن للمحلل السياسي أن يدرك أن الدوافع التي تحرك أعضاء الحكومة الجزائرية ورئيس البلاد ورؤساء أحزاب الموالاة ترمي إلى تخويف الشعب الجزائري باستمرار من ممارسة التحرك السياسي الشعبي كخطوة للاحتجاج على عرقلة النظام الجزائري لكل المساعي الرامية لبناء الأركان الحداثية للدولة الجزائرية، فضلا عن الدفاع عن حقوق المواطنين المهضومة، ووقف التلاعب ببعض المكاسب القليلة التي كادت أن تتحقق لو لم تجهض بسرعة، خاصة تلك المتمثلة في التعددية الحزبية واحترام الحريات وضمان التداول على السلطة، وإنجاز دولة التحديث والعصرنة في كل المجالات وفي مقدمتها الأركان الاجتماعية والاقتصادية والصناعية والقانونية والتعليمية والفكرية والأخلاقية.
لا شك أن لهجة التخويف التي تتكرر في خطابات أقطاب النظام الجزائري ليست بريئة بل تتضمن تهديدا مبطنا لأي شخص يمكن أن يفكر في خرق قانون منع المظاهرات السلمية في المدن الكبرى. ومن أجل تعميق الإحساس بالخوف وقصد التلويح بما ينتظر أي جهة معارضة ينذر وزير العدل الجزائري المواطنين بأن ثمة محاولات تبذل للزج بالبلاد في الفوضى ولضرب أركان الدولة الوطنية، علما أن كل الذي تحقق في الجزائر منذ الاستقلال إلى اليوم هو اختزال مفهوم الدولة في الرئيس، أو في مجلس الدولة بقيادة ضباط الجيش، أو في الحزب الواحد. وحاليا صارت الدولة تختزل في مجموعة حكام شكّلوا عقبة أمام المعارضة وضد الانتقال الديمقراطي.
في هذا السياق نجد وزير العدل يقرع طبول تخويف وترهيب المواطنين من القوى الخارجية الهلامية التي لا تُرى حتى بالمجهر، وذلك كعادة الوزراء الجزائريين ومختلف المسؤولين الكبار الآخرين، حيث قال إن مساعي كسر الجزائر من طرف جهات، لم يجرؤ على تسميتها، قد حاولت بطرق مختلفة إشعال النار في الجزائر، ولكن مشروع المصالحة الوطنية وتجربة الديمقراطية وتعزيز الهوية الوطنية وإصلاح العدالة ومنح الحقوق، في تقديره، هي التي جنبت البلاد من السقوط في الكوارث.
في ختام تصريحه يعيد طيب لوح الفضل في كل شيء إلى الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. وهنا نتساءل هل تحققت المصالحة الوطنية حقا، أم أن الذي حدث لا يتجاوز بذل المحاولات لكبت الوضع الذي يتململ في الأعماق، بواسطة شراء صمت القاعدة الشعبية بالأموال التي تقدم جزافا ودون تخطيط، في إطار ما يسمى بسياسات تشغيل الشباب.
أما ادعاء وزير العدل أن الجزائر قد خاضت التجربة الديمقراطية فهو ادعاء متهافت لأن الذي تم إنجازه بحيل متنوعة هو تحطيم التعددية السياسية وخنق أحزاب المعارضة وجراء ذلك فإن هناك مشروعية لطرح هذا السؤال أين هذه التجربة الديمقراطية وفي أي مكان يمكن أن نجدها؟