د. عبدالله العوضي يكتب:

فلسطين.. لا دولة ولا دولتان؟

في الدورة الـ 73 من انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة، فجر «أنتوني غوتيريس»، الأمين العام هذا التصريح المدوي بشأن القضية الفلسطينية، عندما أشار في خطابه أمام الملأ الذين قدموا من أقطار الأرض جميعاً «حل الدولتين بين الفلسطينيين والإسرائيليين أصبح بعيد المنال». بهذا السطر المختصر وضع «غوتيريس» الفلسطينيين أمام صدمة الواقع الجديد، والذي يؤكد بأن هناك «صفقة» جديدة سوف تصفع وجوه أصحاب الحق الأصيل والشرعي في أرض فلسطين، وهو حق لا يسقط بالتقادم، وكافة القرارات المرجعية الصادرة من ذات الهيئة الأممية تعطي الفلسطينيين الحق الدامغ في دولة مستقلة كاملة السيادة مثلها مثل الدول الأعضاء في هذه المؤسسة الدولية، التي بدأت تنسل من مسؤولياتها تجاه قضية مركزية، أشعلت بؤرة الصراع في المنطقة بعمر الأمم المتحدة التي أخذت بالصراع المقبل إلى المجهول.
إذا كان رجل الشرعية الدولية يصرح بأن حل الدولتين بعيد عن أنوف الفلسطينيين الذين صبروا لهذا الزمن الطويل، ليسمعوا أخيراً عن أن حلم الدولة الفلسطينية أصبح غير مشروع، فإن الخوف من أن يتحول المُطالِب به إرهابياً مطارداً من قبل الأمم المتحدة ذاتها. وإذا افترضنا جدلاً بأن حل الدولتين المتجاورتين والجارتين اللدودتين، أو حتى المسالمتين والمتعايشتين بسلام وأمان غدا أمراً من الماضي السحيق لسحق الحق المتبقي على العالم في فلسطين، فحل الدولة الواحدة أيضاً مرفوض من جذوره الإسرائيلية منذ وضعت بذرتها في الأرض المغتصبة والممنوعة من الصرف في سوق «النخاسة» السياسية.
لماذا لا تقبل إسرائيل حل الدولة الديمقراطية الواحدة لشعبين يتبادلان التناوب على حكم إسرائيل عبر صناديق الاقتراع، كما هو الوضع في كل الديمقراطيات المعروفة في العالم المتقدم؟
الجواب ذكره أحد زعماء العرب لترامب في لقاء عندما أشار إلى أنه غير مستبعد في ظل الدولة الواحدة أن يحكم «محمد» إسرائيل ليس بحكم السياسة، بسبب القنبلة «الذرية» الفلسطينية، وذكر هذا في سياق التنفير من حل الدولة الواحدة، وأنه من مصلحة إسرائيل والعرب حل الدولتين. وهو الحل المتفق عليه حتى الساعة لدى الساسة العرب، قبل أن تجري الرياح في فلسطين بما لا تشتهي السفن المبحرة بعكس تيار الرأي العام في العالم العربي والإسلامي.
نذهب إلى «شهد شاهد من أهل فلسطين»، وهو دحلان الموصوف بالمشاكس، فقد أشار في أحد لقاءاته على الـ «بي بي سي» إلى ما سماه بـ «صفعة القرن» أو «نكبة القرن» على أساس أنها على الأرض نُفذت لأن ملف القدس انتهى. هذا السيناريو الذي يتحدث عنه كل الأطراف حول مصير القضية الفلسطينية في الفترة القصيرة المقبلة يؤكد بأن وراء الأكمة ما وراءها.
فالوضع الحالي يعطي إشارة واضحة للفلسطينيين بجميع فصائلهم أن يركبوا أعلى ما في خيولهم، ويضربوا رؤوسهم في طور سيناء.
في الوقت الذي تمر المنطقة بأوضاع استثنائية في أكثر من دولة عربية، فإن إشعال جبهة فلسطين بهذا الأسلوب من اللامبالاة، يمكن أن يؤدي إلى انتفاضة أخرى غير متوقعة بعد سنوات من الهدوء الحذر والسكون الهادر عبر عمليات إسرائيلية استفزازية في قطاع غزة التي قد تقلب «صفقة القرن» رأساً على عقب.
أليس شارون، الذي قطع شريان الحياة عن هذا القطاع وهو في الواقع أكبر سجن على وجه الأرض بمعنى الكلمة، وهذا ما أدى إلى حربين مدمرتين، لا نتمنى وقوع الثالثة الأخرى.
إلى ما قبل فترة حكم نتنياهو، كان قادة إسرائيل يتعاملون مع الفلسطينيين على أساس أنهم حفنة «صراصير» حشروا في زجاجة ضيقة لخنقهم والتخلص منهم بالجملة، وبعد عقود من زمن الصراع اكتشف بعض قادة إسرائيل أن تلك «الصراصير» تحولت إلى دبابير، ما شكل صدمة لم تكن في الحسبان، حتى جاء نتنياهو وقدم نظريته في كتابه «مكان تحت الشمس» وملخصها في حوض ماء يسبح فيه قرش ضخم «إسرائيل»، فكلما نظر إليه الفلسطيني ارتعب خوفاً من مهاجمته مع أنه محبوس بين جدران الحوض، ولكن تأثيره النفسي أشد من الفعلي لإحداث الردع المطلوب في هذه المرحلة من عز الصراع الذي يراد من خلاله أن يفت في عضد القضية برمتها ولكن أنَّا لهم.

*الاتحاد