د. ياسين سعيد نعمان يكتب:

"الحوثية" والتراتبية الاجتماعية الشاذة

كثيراً ما تحدث اليمنيون عن تراتبية اجتماعية في المجتمع اليمني: سادة، قضاة، قبائل.

يقف السادة في أعلى السلم، يليهم القضاة، وتأتي القبائل في أسفل السلم.
أما المجتمع المدني فيتخبط على هامش هذه التراتبية، لا يجد لنفسه المكان الملائم إلا كملحق يتعين عليه أن يعيش براتب أو بأجر وربما بدخل من تجارة أو خلافه.

حاولت الثورة أن تخترق هذه التراتبية بقرارات تعيد بناء المجتمع بقواعد أخرى، وبقوة التأثير المادي والروحي لمضمون الثورة، وعلاقات وقوى الإنتاج، إلا أن هشاشة الاقتصاد، والتراجع الذي قاده نظام متماهٍ مع تلك التراتبية الشاذة، لم تسمح بتحقيق اختراق كبير في عمق المجتمع، حيث ظل الاختراق هامشياً.

وبسبب هذا الإخفاق ظلت التراتبية القديمة، المحكومة بالعرف المتوارث والمشحون بثقافة عصبوية جامحة بسياسة الغلبة، تنتقل داخل المجتمع بسلاسة، وتنتج بؤرها، وتؤسس قناعات راسخة بهذا التقسيم البغيض الذي شكل أرضية للمغامرين بإعادة إنتاج النظام السياسي الذي يجعل من هذه التراتبية قدراً لليمن.

لن يكون هذا قدر اليمن أيها المغامرون.. 
نعم، استفدتم من الإخفاقات التي مارسها نظام سياسي واجتماعي حافظ على هذه التراتبية التي حملتكم مجدداً إلى الموقع الذي استطعتم من خلاله أن تهدموا مشروع الدولة الوطنية، لكن ما يجب أن تعرفوه هو أن ما تقومون به هو مجرد إعاقة مؤذية لمسار التاريخ في حركته الموضوعية التي لا يمكن أن ترتهن لهذه التراتبية البغيضة، وأن موضوعية المسار التاريخي ستعيده مجدداً إلى صلته بقواعده الحقيقية المتمثلة في الوجود الاجتماعي كما يقررها الواقع الذي سيتطور بأدوات إنتاج مختلفة عن كل الأوهام التي تقسم المجتمع إلى سادة ومسودين.

انتبهوا جيداً، واعرفوا أنكم قد سفكتم من الدماء ما يكفي لطمس هذه الخارطة، ومعها مغامرتكم، في وحل يصعب تنظيفه لعقود من الزمن.

استفيدوا من فرص السلام وامسحوا من على ظهركم جزءاً من هذا الوحل بالتوقف عن غطرسة رفض السلام والتمترس وراء خيارات تجعل من اليمن بؤرة للعنف وللحروب.

عودوا إلى حقيقة أنه لا يميزكم عن أبناء هذا الشعب أي شيء يجعلكم تطالبون بأكثر مما يستحقه جميع أبنائه، وكفوا عن اعتبار أنفسكم الصفوة التي تنحني لها الرؤوس حتى لا ينظر إليكم كعاهات عفى عليها الزمن فيما لو واصلتم التمسك بهذا الوهم الذي يجعل منكم شيئاً منبوذاً خارج قيم الزمان.

لا تشطحوا فوق الحقيقة التي مازالت تنظر إليكم كجزء من نسيج المجتمع لتجنيب اليمن المزيد من الكوارث التي تسببتم بها بسبب هذا الوهم الذي جعلكم تنصبون أنفسكم أوصياء على بلد عظيم لا يقبل الوصاية من أحد.

تذكروا أن البندقية التي يحملها غاشم غير جديرة بالثقة.