مروان هائل يكتب:

المال والسلاح.. كيف أصابا الدبلوماسية اليمنية بالشلل؟

تحتل البلدان النامية في آسيا وأفريقيا بالذات، مكانة هامة في النظام العالمي، وقد تم التلاعب في تشكيلها على مدى فترات زمنية متعددة، عبر طرق كثيرة منها الاستعمارية والتجارية والسياسية، واليمن دائما  جزء من هذا التلاعب وخصوصا في جوانبه الجيوساحلية والجيوسياسية والاقتصادية، مع استغلال خبيث لموقعه الإستراتيجي الفريد من نوعه الذي جعله محل أطماع الإمبراطوريات والاستعمار الأجنبي  والجار والإقليم، يتقاذفه الكل حسب مصالحه القومية والاقتصادية، حتى حولوا اليمن إلى دولة أشباح، وكأن فوق أرضها  فُتح «صندوق باندورا» ليحمل كل شرور البشرية! كيف لا واليمن دولة فقيرة وهي غنية بثروات كثيرة ومتنوعة، اليمن بلد يطلق عليه وطن الحكمة وهو مثخنٌ بالحروب والصراعات، اليمن غالبية شعبه وقياداته السياسية تفضل لغة السلاح على لغة الحوار، وفي اليمن أيضا وزارة اسمها الخارجية عملها ودبلوماسيتها محصورة في توظيف وتكديس الأقارب وأبناء المسئولين والمتنفذين غير المؤهلين في السلك الدبلوماسي، وصرف رواتب مهولة لهم وللموظفين الحاضرين والوهميين، وتوزيع الجوازات الحمراء لمن هب ودب مقابل 5000 دولار، حتى وصل الأمر إلى أن تمنع كثيرٌ من دول العالم دخول حملة الجوازات الدبلوماسية اليمنية إلى أراضيها مثل مصر؛ إذ توقف العشرات من اليمنيين في مطار القاهرة ممن يحملون الجوازات الدبلوماسية، وكذا وجمهورية التشكيك تمنع دخول حاملي الجوازات الدبلوماسية اليمنية  إلى أراضيها بدون فيزا، والمجر تستفسر خارجية اليمن عن علاقة مهنة (الشيخ) المكتوبة في الجواز الأحمر اليمني بالدبلوماسية.
تدفق الأسلحة الزائدة والمال الوفير إلى اليمن أربك عمل  الدبلوماسية وحوّل بعض الساسة والدبلوماسيين اليمنيين إلى سماسرة وتجار حروب، ومع توجيه مليارات الدولارات إلى اليمن كمساعدات إنسانية (أسلحة، معدات) زادت مع هذا التوجيه حركة تعين أبناء المسئولين والأقارب والمتنفذين في مواقعَ سياديةٍ في وزارة الخارجية وفي الفروع المرتبطة بالمنظمات الدولية العاملة مع اليمن وفي السفارات والقنصليات اليمنية في الخارج، وارتفع معها كذلك نسبة فشل الدبلوماسية الوطنية في نقل وتوضيح صورة الأزمة اليمنية للخارج؛ لأن الدبلوماسية عملٌ ذكي و راقٍ يخاطب وعي العالم وشعوبه، عمل حساس متعدد الأوجه والمستويات يعتمد نجاحها على العديد من العوامل المحلية والإقليمية والعالمية والسياسية الاقتصادية (الشخصية والإرادة السياسية والفاعلين الرئيسيين ومشاركتهم ومواردهم).. لكن كيف ننقل صورة أزمة اليمن، وغالبية الطواقم الدبلوماسية العاملة في كثير من السفارات اليمنية ينخرها الفساد ومشغولة بجمع المال، وصلت الحالة المزرية لهذا لفساد الدبلوماسي إلى أن يتم تأخير صرف المستحقات المالية للطلاب بطريقة متعمدة بغرض المتاجرة بها، وهذا واحد من مئات التصرفات الرخيصة التي تحدث في أغلب سفارات اليمن في الخارج، وهذا السلوك المعيب لا يأتي من فراغ، وإنما بسبب أن أغلب مصادر الكادر الدبلوماسي اليمني هم من خارج المنظومة الدبلوماسية، أي بقايا شيوخ وأبنائهم ورجال القبيلة والحزب والمحسوبية والمناطقية وعساكر الشيخ والتجار والمقاوتة، مع قلة متعلمة لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة ولها كل الاحترام والتقدير، هذه هي أهم مصادر الكادر في الخارجية اليمنية، وهذه المصطلحات والأسماء  في الأعراف الدبلوماسية ليست ركائز الدبلوماسية المهنية، وهؤلاء لا يفقهون أن الدبلوماسية الوطنية مهمة جدا ولا تعني فقط لبس الكرافتة أو تعزيز التعاطف مع بلدنا، لأن الدبلوماسية على المستوى الأعمق هي نشاط استراتيجي خفي يجنب المشكلات وحالات الصراع والتحرك نحو الهدف المقصود في التواصل أو المفاوضات.
الدبلوماسية ليست بديل للحرب ولا تنتهي مع بداية الحرب بل هي من تلبس نتائج الأعمال العدائية في اتفاقيات تعاون جديدة وبناء علاقات وعالم جديد، أما الشخص الدبلوماسي فهو من يتميز بالعلم والحكمة والمرونة استنادا إلى معرفة الطبيعة العاطفية والفكرية للإنسان، وهو قبل كل شيء من لا يبيع ويشتري في شعبه ووطنه وثرواته .
تُنفذ السياسة الخارجية لأي دولة بنجاح عندما تكون الدبلوماسية مستقلة ومفتوحة للحوار السلمي، مرنة ولا تميل للمواجهة، براغماتية تتغير وفقا للتغيرات في الوضع الدولي، وفي العالم المتحضر يصبح الإنسان دبلوماسياً، من خلال امتلاكه لمزيج فريد من المعرفة والأساليب الخاصة، ويحسن باستمرار من مهاراته الدبلوماسية من خلال الدراسة النظرية والعملية لفن الدبلوماسية، بينما في اليمن شروط القبول في السلك الدبلوماسي يكون عبر  توصية أو مكالمة من شيخ قبيلة أو قريب في منصب كبير أو متنفذ أو من خلال الرشوة، وهي شروط أوصلت الدبلوماسية اليمنية الى حالة يرثى لها من الضعف لدرجة  أصبحت فيها غير مرئية وغير مسموعة دفعت بالعالم الخارجي ليتحدث عنا وعن مأساتنا، وأخرهم كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي صرخت بأعلى صوتها نيابة عن الشعب اليمني وحكومته ودبلوماسيتها، لتقول إن الوضع الإنساني في اليمن أكبر كارثة إنسانية في العالم وطالبت بضرورة تحرك العالم لإيقاف الكارثة، كما ندد برلمانيون وحقوقيون فرنسيون بالجرائم الحوثية في مدينة الحديدة واستخدامها المدنيين بشكل متعمد كـدروع بشرية، بينما دبلوماسية الشيخ اليمني لم تستطع حتى على المستوى الداخلي أقناع فريق الخبراء الدوليين والإقليميين حول حالة حقوق الإنسان في اليمن بانتهاكات الحوثيين الجسيمة والواضحة، بل إن الفريق ألأممي حمّل دول التحالف العربي منفردة المسؤولية عن الانتهاكات وتجاهل الردود الرسمية للشرعية.
إنه لمحزن أن تقف دبلوماسية الشرعية المدعومة إقليميا عاجزة عن نقل وفضح جرائم المليشيات الحوثية المكونة من رجال فساد وجهلة ولصوص وقطاع طرق تعشق القتل أكثر من عشقها الحياة.. إنه لمحزن أكثر أن تقف خارجية الشرعية موقف المتفرج الصامت تجاه موظفيها من المتقاعدين الشرفاء ولا تدعمهم معنويا أو ماديا، بالذات أولئك الذين باتوا مجبرين قسرياً على الإقامة خارج اليمن ولا يستطيعون العودة بسبب ظروف الحرب، وآخرون اضطروا لقبول أعمال دون مستواهم الدبلوماسي في بلدان الشتات حتى يتمكنوا من دفع إيجار مساكنهم وتوفير لقمة عيش كريمة لهم و لعائلاتهم.​