الفقر في العقول وليس في النصوص

من أين جاءت «دولة الخلافة»؟!

الجمع الفكري والعلمي والديني المتنوع الذي يلتقي في أبوظبي في منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، وأوراق العمل التي قُدمت منذ الصباح حتى المساء، والتي ستستكمل اليوم تصب في تحقيق هدف واحد، وهو الرد على من يرفضون الدولة الوطنية، وينتقصون من مكانتها، وإنجازاتها، ونجاحاتها، والرد على من لا يرون غير شكل واحد للدولة عند المسلمين، وهو «دولة الخلافة»، وما قدم من آراء وأفكار ومعلومات ونصوص يؤكد أن هذه نظرة ضيقة للدولة ولمصالح المسلمين، فالإسلام لم يكن فيه ما يحدد شكل الدولة وقصرها على رجل واحد يحكمها من مشرق الأرض لمغربها!

ولقد أثارت انتباه جميع الحاضرين إشارة الشيخ عبدالله بن بيه في كلمته، والتي كانت في غاية الأهمية، وكانت رداً عملياً ومنطقياً على كل من يتكلم عن دولة الخلاقة، ولا يقبل بغيرها، فقد قال الشيخ بن بيه: «في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان النجاشي ملكاً مسلماً ولم يأمره الرسول بالقدوم إليه»، وهذه ملاحظة في غاية الأهمية، ويجب أن ينتبه إليها الجميع لأنها تجعلنا نتساءل: من أين أتت فكرة الخلافة الإسلامية، والإصرار على دولتها دون غيرها؟ ففي عهد خير الخلق كان هناك حاكمان للمسلمين في بلدين مختلفين، وليس خليفة واحداً للمسلمين، وكان كل واحد يحكم بطريقته وبرؤيته حسب مقتضيات دائرة حكمه ومتطلبات رعيته.

لقد أعجبني ما قاله أحد المشاركين: «إن الفقر في العقول وليس في النصوص»، فمن يبحث في النصوص سيجد كل ما يتفق مع العقل والمنطق ومع مصالح الناس، وما يفيد البشر، فهذا هو جوهر الإسلام، ومشكلة أمة الإسلام أنها حبست عقلها وجمدت تفكيرها في قوالب معينة فرضتها مجموعات بعينها، وهذا ما أشار إليه الشيخ بن بيه عندما قال: «منذ القرن السابع الهجري بدا العقل المسلم في أزمة فقهية وفكرية نتيجة الجمود على المنقولات»، وكم نحن اليوم بحاجة، ونحن نعيش هذا البحر المتلاطم من استغلال الدين وتعليق الأفكار والأخطاء عليه، إلى أن نخرج من جمود الفكر إلى سعة الاجتهاد، وأن ننطلق بالتفكير فيما يفيد هذه الأمة ومستقبلها بدلاً من العيش في الماضي الذي لم يعد يناسبنا، وليكن تأثير الواقع على قراراتنا هو الأهم، وذلك بما لا يتعارض مع حدود الشريعة وبما يتماشى ومصالح الناس.