مشعل السديري يكتب :
روعة الكذب والنفاق
من وجهة نظري أن الشعر الذي ليس فيه شيء من الكذب أو المبالغة، وشيء من النفاق أو التدليس، ليس فيه (لا فكاهة ولا مازيّة)، مثلما قال لنا أخونا (غوار)، وإليكم النموذج الأول الكذوب:
وتصديقاً على هذا، أمر الحجاج صاحب حرسه أن يطوف بالليل فمن رآه بعد العشاء سكرانَ ضرب عنقه، فطاف ليلة من الليالي فوجد ثلاثة فتيان يتمايلون وعليهم أمارات السكْر، فأحاط بالغلمان وقال لهم: من أنتم حتى خالفتم أمر أمير المؤمنين وخرجتم في مثل هذا الوقت، فقال أحدهم:
أنا ابن من دانت الرقاب له ما بين مخزومها وهاشمها
تأتيه بالرغم وهي صاغرة يأخذ من مالها ومن دمها
فأمسك عنه وقال: لعله من أقارب أمير المؤمنين، ثم قال للآخر: وأنت من تكون؟، فقال:
أنا ابن من لا تنزل الدهر قدره وإن نزلت يوماً فسوف تعود
ترى الناس أفواجاً إلى ضوء ناره فمنهم قيام حولها وقعود
فأمسك عنه وقال: لعله ابن أحد أشراف العرب، ثم قال للآخر: وأنت من تكون؟، فأنشد على البديهة:
أنا ابن من خاض الصفوف بعزمه وقوّمها بالسيف حتى استقامت
وركباه لا ينفك رجلاه منهما إذا الخيل في يوم الكريهة ولت
فأمسك عن الآخر وقال: لعله ابن أشجع العرب، وتحفظ عليهم، فلما كان الصباح رفع أمرهم إلى أمير المؤمنين فأحضرهم وكشف عن حالهم، فإذا الأول ابن حجّام، والثاني ابن فوّال، والثالث ابن حائك، فتعجب من فصاحتهم وقال لجلسائه: علموا أولادكم الأدب، فوالله، لولا فصاحتهم لضربت أعناقهم.
وإليكم النموذج الثاني المنافق:
دخل ابن الخياط المكي على المهدي وامتدحه، فأمر له بخمسين ألف درهم، فسأله أن يأذن له في تقبيل يده، فأذن له فقبلها وخرج، فما انتهى إلى الباب حتى فرق المال بأسره، فعُوتب على ذلك فاعتذر الخبيث وأنشد يقول:
لمست بكفي كفه أبتغي الغنى ولم أدرِ أن الجود من كفه يعدي
فقهقه المهدي مبتهجاً وأمر له بخمسة أضعاف ذلك المبلغ - انتهى.
أما لو أنني كنت شاعراً وأردت أن أمدح بعضاً ممن لا أطيقهم، لقلت للواحد منهم مثل هذه الأبيات:
أيا ذا الفضائل واللام حاء ويا ذا المكارم والميم هاء
ويا أنجب الناس والباء سين ويا ذا الصيانة والصاد خاء
ويا أكتب الناس والتاء ذال ويا أعلم الناس والعين ظاء
تجود على الكل والدال راء فأنت السخي ويتلوه فاء