د. ياسين سعيد نعمان يكتب :
إمرأة حديدية أخرى في بريطانيا
في الظروف التي يرتبك فيها المشهد السياسي لينتج ما يعرف بالأزمة ، لا تجد الأحزاب والقوى السياسية ، كي تمنع الانهيارات الكبرى ، غير طريق واحد وهو إنشاء تحالفات عابرة لبرامجها تتمكن بموجبها من صياغة برنامج مرحلي لمواجهة الازمة . في مثل هذه الظروف يكون إنقاذ الوطن أهم من تسجيل إنتصارات حزبية .
ما تمر به بريطانيا في الوقت الحاضر يتجه بالبلاد نحو أزمة من هذا النوع الذي ستجد فيه الأحزاب نفسها مضطرة إلى التوافق على صيغة سياسية عابرة للبرامج الحزبية لإخراج البلاد من حالة الارباك السياسي الناشئة عن التصدعات التي أحدثتها الخلافات العميقة حول "البريكست ".
وفي حين يشتد الضغط على السيدة "تيريزا ماي" زعيمة حزب المحافظين ورئيسة الحكومة البريطانية للتخلي عن مشروعها المتعلق بالبريكست الذي يقضي ببقاء بريطانيا في الاتحاد الجمركي لفترة انتقالية بعد الخروج في مارس ٢٠١٩ تمتد حتى نهاية ٢٠٢٠ والذي عارضه إئتلاف واسع من حزبها ومن كافة أحزاب المعارضة ، من منطلقات مختلفة ، أهمها كيف يمكن لبريطانيا أن تبقى في إتحاد جمركي لا تشارك في صناعة قراراته بعد خروجها من الاتحاد ، فإنها تواصل جهدها في تسويق مشروعها بالاستناد على عاملين أساسيين :
الأول : هو أنه بالرغم من المعارضة الواسعة والكبيرة لمشروعها ، إلا أن هذه المعارضة بحجمها الكبير ، بما فيها المعارضة من داخل حزبها ، لا تقف على أرضية واحدة في التعاطي مع "البريكست" ، فهي تنطلق في معارضتها من رؤى متباينة لا تمثل مشروعاً موحداً ، أو حتى متقارباً ، مما يعني أنه لا يوجد حتى الان مشروع موحد في مواجهة مشروع رئيسة الوزراء .
الثاني : هو أن حزب العمال ، أكبر أحزاب المعارضة ، لا يزال يقف في الصفوف الخلفية ( متفرجاً) بانتظار فشل حزب المحافظين ، بحسابات سياسية ، جعلته هو الآخر مرتبكاً مفضلاً الانتظار بدلاً من خوض معركة المواجهة بمشروع واضح .
اليوم ، ولأول مرة في اللقاء مع الشركات ورجال الاعمال البريطانيين CBI الذي سيتحدث فيه زعماء الأحزاب ورئيسة الحكومة ، يعترف السيد كوربن زعيم العمال " أنه من الخطأ أن يجلس حزب العمال في الخلف ليشهد فشل المحافظين " في تأكيد على ما توصل إليه إستراتيجيو حزب العمال مؤخراً ، الأمر الذي فسره كثير من المراقبين أنه إستجابة للضغوط التي مورست على حزب العمال ليخوض هذه المعركة بوضوح لتجنب ما قد يترتب على هذه العملية من نتائج تهدد مصالح البريطانيين .
ربما قاد هذا الى تحالفات كبيرة أو جزئية تتقاطع فيها الرؤى العابرة للأحزاب لتلتقي حول المصلحة الوطنية وفقاً للقراءات المتعددة .
واذا تمكنت "ماي"من الانتقال بالجغرافيا السياسية المعقدة إلى ذلك الوضع العابر للخارطة السياسية القائمة لمواجهة الأزمة فإنها ستكون قد اجتازت أهم التحديات التي واجهها زعيم أوربي في الزمن الراهن .