د . ياسين سعيد نعمان يكتب :
متى كان على الدولة أن تستأذن لحماية شعبها؟
- كلما اتجهنا نحو السلام، واستعادة العملية السياسية للخروج من الأزمة، ازداد توحش جماعة المليشيات الحوثية، مدفوعة بطبيعتها وبنيتها العنصرية المغلقة وأدواتها غير السياسية.
- رفضت هذه الجماعة أن تكون جزءاً من نسيج المجتمع، وتعالت عليه وعلى قيم المواطنة فيه، وأصرت، بشكل عجيب، أن تتحول إلى شيء من الهوام التي يقذف بها التاريخ في طريق تطور الأمم.. لا وظيفة لها سوى إعاقة تطور المجتمعات وإرباك استقرارها والانطلاق من أقبيتها لإشعال حرائق الحروب والصراعات كلما أخذت الدولة تتجذر في المجتمع بقوة مؤسساتها وتعبيراتها الوطنية.
- ترفض هذه الجماعة "المواطنة" بدوافع تنشئها أيديولوجية متعصبة وعنيفة واستعلائية، سبق لها أن حملت هذا البلد بروافع عنصرية دموية كرست التخلف والإقصاء وسفك الدماء والتمزق الاجتماعي.. وفيما لو قدر لها أن تسود من جديد فإن البلد سيغرق في أديم ذلك الماضي الرهيب، ولذلك فإنه لا خيار أمام اليمنيين سوى حماية أنفسهم من الانزلاق نحو الإرهاب الذي يطل علينا من داخل هذه الأيديولوجية التي تصطخب بمقاربات عنصرية مقيتة من حيث مضمونها الصفوي والإقصائي، والعنف الذي يشكل أداتها الوحيدة في فرض خياراتها.
- اليمن اليوم أمام مفترق طرق يجب التعامل معه بحسم، وهو أن استعادة المدن والمؤسسات والمنشآت التي سيطرت عليها مليشيات الحوثي بالسلاح هي مسئولية وواجب الدولة وحكومتها الشرعية.. هذه الدولة هي التي ستسأل عن أي تفريط باستكمال هذه المهمة الوطنية التي تلتئم معها الدولة لتواصل إنجاز مشروعها التاريخي الذي يتصدره إعادة الاعتبار للإرادة الشعبية في بناء الدولة وتقرير الاختيارات السياسية للشعب.
- في تحقيق مهمتها تلك لا تحتاج أن تستأذن من أحد، أو تنتظر موافقة أحد، كل التجارب الإنسانية التي واجهت مثل هذا العبث التي تمارسه مثل هذه الجماعات العابثة لم تترك خيار الحفاظ على الدولة وحمايتها للثرثرة أو المساومة، فقد كان التصدي للعبث حقاً مشروعاً، وكان من حقها أن تستعين بمن تريد وتستخدم كل الوسائل لإنجاز هذه المهمة.
- نحن أمام مجموعة مغامرة وطائشة، تسعى إلى تهميش وتهشيم هذا البلد العظيم من خلال إغراقه في مشروع عنصري تسلطي مغامر، لن يفضي سوى إلى تأبيد التخلف الذي شهدناه إبان حكم أسلافهم ممن أغرقوا اليمن في أسوأ أنماط التخلف المريع.
- الكاتب المتميز ثابت الأحمدي في مقال له، منذ أيام، قال إن اليمن لم يعش الجاهلية التي عاشتها هذه المنطقة ما قبل الإسلام، وكان موفقاً في التوصيف والتحليل، لكن أقول له بأسف إن اليمن غرق في الجهل ما بعد الإسلام، بالمعنى لا يبتعد كثيراً عما أشار إليه، بسبب سيطرة هذا النوع من الحكم المتخلف الذي يسعى هؤلاء اليوم إلى إعادة إنتاجه بدعم نظام إيران الذي كرس نفسه لتخريب جيرانه العرب، وبالسلاح الجمهوري الذي لم يكن في أيادٍ أمينة على الجمهورية.
- مع هذا الوضع، الذي لا نرى له نهاية مع هذه المناورات التي تستخدم السلام وسيلة لتمييع الموقف الحاسم من استعادة كل ما نهبه لصوص التاريخ هؤلاء من أحلامنا في بناء يمن سعيد ومستقر لكل أبنائه، لابد من التأكيد على أن السلام سيتعثر، بكل تأكيد، مع هذه الجماعة المغلقة على مشروع إقصائي يتماهى مع الفاشية، في معناها الذي يتولد من سلوكها العنصري الدموي، وهو ما يجعل السلام بالنسبة لها خياراً للتلهي والمناورة ليس إلا.
- لهذا تصبح خيارات استعادة أجزاء الدولة المصادرة من قبلها ومنها المدن والمنشآت والمؤسسات عملية لا يجب أن تتحكم فيها انتقائية أو مساومة من النوع الذي سيسجله التاريخ على أنه تفريط بحقٍ لا يملك إلا الشعب وحده الكلمة الفصل فيه.