مشعل السديري يكتب :

صفحة من التاريخ

هو رجل طاعن بالسن من بلدة (عيون الجوا) في القصيم بالسعودية، وسبق لي أن التقيته قبل أن يتوفى بعدة أشهر، وحكى لي قائلاً:
إنني فلاح نشأت على الزراعة من صغري مع والدي، ولدينا القليل من المواشي من ضمنها بقرة نستفيد من لبنها، وأمرني والدي يوماً أن أذهب إلى أحد المعارف لكي نستلف ثورا فحلا يملكه لكي يلقح بقرتنا، وفعلاً ذهبت وأحضرت الثور الضخم الحرون بمساعدة بعض الرفاق، ووضعناه في حجرة خارجية نخزن فيها الأعلاف والحطب، وقيدناه لكي نأمن جانبه ونحن نقول: (في الصباح رباح)، وبقرتنا من الممكن أن تصبر، والدنيا لن تطير.
وبينما كنت على وشك النوم مستلقياً فوق فراشي، وإذا بي أسمع نباح كلبنا في الخارج، لم أهتم في البداية بذلك، غير أن النباح تحول إلى ما يشبه العواء، فتيقنت أن في الأمر شيئا، نفضت اللحاف وقمت وفتحت الباب خارجاً في الظلام الدامس -حيث لا كهرباء لدينا في تلك الأيام- ولكنني ما كدت أن أخطو خطوتين إلاّ والكلب يعترض طريقي، ثم أخذ يجر ثوبي بأنيابه يريد أن يدفعني نحو الباب، ثم تركني وانطلق يجري ناحية حجرة العلف.
وجزمت أن شيئا ليس طبيعياً هناك، فقررت أن أذهب وأستطلع، وما كدت أقترب، وإذا بالكلب هذه المرّة يواجهني مواجهة عنيفة، ويرفع نفسه على قائمتيه الخلفيتين، ويضع يديه ومخالبه على صدري، ساعتها أصبت بدهشة بالغة من حركات هذا الكلب المزعج لدرجة أنني فكرت أن أنهره وأربطه بعيداً، غير أنني وجدت أنه من الأسلم أن أحضر سراجاً لكي أتبين الأمر بوضوح.
وما كدت أستدير لأحضر السراج، إلاّ وأسمع جلبة عالية، وأصوات أخشاب تتحطم، وخوارا غاضبا يدوي، فلقد حطم الثور كل شيء، بما فيها قيوده التي قيدناه بها، وحاس الحجرة بكل ما فيها، ثم اندفع بوزنه الذي يزيد على ألف كيلوغرام نحو باب الحجرة وجعله أشلاء طائرة وكأنه لعبة أطفال، وانطلق في ثورة عارمة، والحمد لله أنني وكلبي استطعنا أن نتفاداه بهروبنا والتجائنا بسرعة للدار، ولولا ذلك لذهبت أنا والكلب في خبر كان.
وقد تطلب الأمر بعد ذلك جهود خمسة من الرفاق إلى جانبي وجانب والدي، حتى استطعنا أن نسيطر عليه.
سألته ببراءة: وهل لقح الثور الهائج بعد ذلك بقرتكم؟!
- نعم وكاد أن يكسر ظهرها، الله لا يعطيه العافية، ولكننا فرحنا بعد عدة أشهر بعد أن ولدت لنا (فصيلا) -أي عجلة صغيرة.
- وهل تربّت الصغيرة في عزكم؟!
- نعم، وما زالت سلالتها عند أحفادي.