هاني مسهور يكتب:

السلام على الطريقة اليمنية

كما هي عادة اليمنيين بتقاليدهم السياسية خرجوا بتوافق ومصافحات أذهلت العالم من حولهم، تماماً كما تصافحوا في مؤتمر خمر 1965 لتتزاوج الجمهورية بالملكية، وكما فعلها الرئيسان علي سالم البيض وعلي عبدالله صالح مرتين الأولى في عدن 1990 والثانية في العاصمة الأردنية عمّان 1994 قبل أن تجتاح قوات صالح الجنوب، وكذلك فعلوها مع توقيع المبادرة الخليجية ثم انقلبوا وتحاربوا ثم عادوا وتصافحوا. مصافحات متكررة بتاريخ اليمن المعاصر تدهش المراقبين بما تحمله من تناقضات.

لم تكن مشاورات السويد تحمل بوادر إيجابية قبيل انعقادها خاصة وأن المبعوث الأممي مارتن غريفيث اضطر لكسر البرتوكول بمرافقته وفد الحوثيين من صنعاء إلى ستوكهولم بعد أن وافق التحالف العربي على نقل الجرحى الحوثيين من صنعاء إلى مسقط ما أسقط كافة الذرائع الحوثية حول المشاركة في مشاورات السويد، ومع ذلك لم تكن المؤشرات تدفع إلى أن تنجح المشاورات في تحقيق اختراقات قوية في عدة ملفات شائكة أهمهما ملف مدينة وميناء الحديدة.

لعبت العصا الأميركية دوراً حاسماً في تحريك طرفي النزاع من مربع الجمود السياسي إلى مربع الحركة والقبول على الأقل بجزء من إجراءات بناء الثقة.

لكن ما تحقق من اختراقات كان مذهلا خاصة ما يتعلق بميناء الحديدة الذي شكّل المحور الأهم نتيجة العملية العسكرية الواسعة التي لعبت فيها القوات المسلحة الإماراتية الدور الأكبر بمشاركة الآلاف من الجنود الإماراتيين من كل القطاعات العسكرية، وهي العملية التي حررت فيها ألوية العمالقة الجنوبية أكثر من 75 كيلومترا من الساحل الغربي لليمن ووصلت إلى مسافة ثلاثة كيلومترات فقط من ميناء الحديدة الذي كان يمثل الحبل السري الذي يربط الحوثيين بالنظام الإيراني.

تلويح الإدارة الأميركية بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية كان عاملا أساسيا في تغيير الموقف الحوثي.

لكن، التنازلات التي قدمتها الشرعية في ملف الحديدة تسقط الكثير من مضامين القرار الدولي 2216 وأن ما حدث في ستوكهولم هو مجرد التفاف على القرار الدولي، فلم تفض مشاورات السويد إلى انسحاب وتسليم السلاح للشرعية بل إلى انسحاب الحوثيين مع احتفاظهم بكافة أنواع أسلحتهم وعودة السلطة المحلية التي كانت قائمة فيما قبل انقلاب 2014 وعدم إيداع إيرادات الميناء بالبنك المركزي في عدن وإنما في فرع البنك بمدينة الحديدة.

ضعف الشرعية وخشية الحوثيين من العصا الأميركية صنعا هذا الاتفاق الذي سيظل هشاً نتيجة عدم الثقة في التنفيذ على غرار الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية عندما كانت الأمم المتحدة الجهة المخولة بـ”إجراءات الرقابة والتنفيذ”، وهي التي شاركت في صناعة مخرجات الحوار الوطني التي كانت سبباً مباشراً في هذه الحرب بعد تسويات غير متوازنة وإقصاءات لأطراف سياسية رئيسية كالجنوبيين، واستبدالهم بشخوص يمثلون الحزبية الإسلامية أو المنتفعين من السلطة مما حرف مسار مؤتمر الحوار الوطني ليتحول إلى لغم كبير انفجر في صنعاء وأحرق اليمن كاملاً.

الزخم الإعلامي الذي رافق اتفاق السويد لا يعكس انفراجا، بل هو مجرد تكرار لمشاهد يمنية مكررة انتهت كلها بانتكاسات سياسية، وعلى ذلك يبقى القلق ماثلاً حتى وإن احتفى مارتن غريفيث بمصافحة خالد اليماني مع محمد عبدالسلام كما تصافح قبله علي سالم البيض وعلي عبدالله صالح.

فالمصافحات اليمنية ليست صورة من صور السلام المستدام بل هي صور من برتوكولات اليمنيين السياسية لالتقاط الأنفاس وانتظار ساعة الصفر المواتية للانقضاض على الآخر في تدوير صراعات لن تنتهي ما لم تتم معالجة جذور الأزمات اليمنية الجنوبية والشمالية.