نبيل الصوفي يكتب :
مشروع تعز.. ماذا بعد؟
أظهر الناس في تعز شخصية جماعية تضجّ حيوية، صواباً وخطأً.
تسعة أشهر، من تولّي أمين محمود، أظهر تعز مركزاً خطف النقاش بطريقة مناقضة لكل ما يتوقع من مدينة يفترض أنها ميتة في بلاد تسيطر عليها "المافيات"..
تراجعت الصراعات وفق أجندات مأرب أو عدن.. في تعز.
انشغل التعزيّون بمدينتهم، واستعادوا شخصية لا تزال مؤمنة بالحزبية والمناطقية، وهذه سمٌ زعاف يوجع مافيات ما بعد 2011، التي تريد من كل المناطق أن تصبح خدامة لأجندات مراكز وهمية تتوزَّع الفنادق وتُبقي اليمن لمركز وحيد هو مركز الحوثي.
مركزية اللصوص الشاردين، مقابل مركزية السيد التافه الكذاب.
والبقية يدورون حولها..
حتى مأرب، فكل الضجيج فيها ليس لها كمحافظة وأطراف اجتماعية، إنما لأكذوبة تمثيل كل الوطن.. وللأسف، أن هذه الأكذوبة تجمع الجيش الوطني والمقاومة الوطنية، كل طرف منهما مشغول بادعاء أنه يمثل كل اليمن، وهذا ادعاء لا طعم له ولا لون ولا رائحة.
ليس الادعاء في أن هذا حديث كذاب، بل وهو الأخطر أن هذا ادعاء ماحق ساحق يخدم الحوثي وحده اليوم.
لا يعود لهكذا ادعاء أيُّ قيمة، في زمن "مركزية" المأفون القادم من صعدة الذي يدَّعي أنه مركز الإسلام بكله، وكل لصوصه قيادات من القرى حقه في صعدة.
وفي تسعة أشهر، خفت قدرة عيال المركز الوهمي باسم الشرعية على استخدام تعز في معاركهم ضد كل اليمن.
كانوا يخوضون صراعاً ضد كل المناطق بدعوى اليمنية الوحدوية، واليمنية الوحدوية عندهم هي مركز الوهم هذا.. وحدوية لا تعترف بحقوق وملامح ومشاركة المجتمعات المحلية، وحدة مع الريح في خدمة مركز مافيا المصالح.
وقد كانت تعز تدفع ثمناً باهظاً، في مناطق سيطرة الحوثي، حين تقول للنقاط إنك من تعز يشدد إجراءاته، وفي الجنوب أن تكون من تعز فكأنك "علي محسن"، وفي تهامة كذلك..
وداخل تعز، ألف حد ومسلح وقسم وحدود..
كانت تعز تتناقص، ككرة ثلج يستخدمها مريض لتخفيف الحمى التي تصيبه.
وفي تسعة أشهر حدث تحوُّل كبير..
التفتت كرة الثلج لذاتها، وبدت كعشريني يتسلق جبلاً برشاقة. يلفت الأنظار ويواصل السير.
وانفصلت عن مشاريع الوهم، وخَفَتَ حتى صوت الحوثي فيها، صوت الحرب.. وبدلاً من أن تستمر عصا بيد مافيا المركز، هي من شغلته وكادت تعطل دوره المافوي في بقية المناطق، هي تقاتله في قلب وجوده.
تابع "نيوزيمن" تعز أمين محمود لحظة بلحظة.. وكل يوم كانت ملامح حضورها تتسع، وصلت إلى احياء الحزبية واحياء المناطقية واحياء المظاهرات واحياء الجماهيرية.. بدت كأنها تعز السبعينات والثمانينات، تلك الشغوفة بالفعل والفكر والتحولات.
جمعية صبر، غلبت في النقاش وجود القاعدة.
التربة والنشمة قلبت ظهر المِجن للحوثي والإخوان وصراعات العبث، وافتتحت للناس أسواقاً وقضايا، وبدأت تنازع أكذوبة الجيش والمركز الوطني.
وكان بينها وبين مرحلة أجد، ترتيب الجيش والأمن، وفجأة أطفأ قرار جمهوري كل ذلك..
لنقل إنه نزع "الفيش".. وسننتظر على أمل أن تعز قادرة على الاستمرار.. لأجلها ولأجل اليمن.
لا أدري..
هل سيذوي ذلك كله.. ويختفي أمين محمود، ويثبت ما يقوله خصومه عنه، أم يمكن لتعز أن تقول: كان أمين عودَ ثقابٍ، أضاء شمعة لن تنطفئ.