نبيل الصوفي يكتب:
يمن ما بعد الجمهورية اليمنية
نحتاج تحالفاً وطنياً، تجمعه قواسم مشتركة في وطن جديد، وطن يمنيي ما بعد الجمهورية اليمنية.
ورجاءً توقفوا عن التهريج ضد كلامي هذا، شرعيتكم كلها ومؤتمر موفنبيككم، كله محا هذا الاسم وصار يسميها "اليمن الاتحادي"، فلا تأتوا إليَّ وتهرجون أني أنا من يقول إن الجمهورية اليمنية انتهت.
أنتم -رسمياً- قد دفنتموها، وبشكل شرعي كما تقولون..
فدعونا من الهامش الكذّاب.
اقبلوا رأيي هنا، كأني إقليم مختلف عن أقاليم هادي وإقليم علي محسن. واختلفوا معه بعدها.. لكن ضمن هذا السياق.
اسماً ودستوراً ونظاماً، محوتم الجمهورية اليمنية.. ولا تستخدمونها إلا حينما تريدون إشعال خصومات مع أطراف سياسية أخرى..
الجمهورية اليمنية دولة آلت إلى قسمين: الأول، بيد عبدالملك الحوثي. والثاني، بيد عبدربه منصور هادي.. الأول يسيطر على الأرض، والثاني في الفنادق والغرف المغلقة بيد أولاده وحاشيته أو بيد إخوان علي محسن المسلمين.
بقية الناس أصحاب المصلحة في جنوب مستقر، وشمال يكافح ليعود.. يحتاجون تفاهمات جديدة.. يحتاجون إدراك المخاطر. يحتاجون خطوات تغيير جبارة في وعيهم.. كان يمكن أن نقول المؤتمر الشعبي العام يمكنه أن يحرّك المياه الراكدة، لكن حتى اليوم فإن هذا الحزب لم يعد “لا وجهاً للنضال ولا وسيلة للوظيفة”.. لا تدري ماذا حدث له، ضاع بين آل عفاش وموظفي هادي.. لم يبادر أحد منهم لموقف محوري يجعل الناس تختار طريقاً قوياً مهما كانت الآثار والمتاعب، حزب “الراحة” كما سمّاه رئيس حزب الإصلاح في 2000م حين كان يعتبر “الإصلاح هو حزب الشّدة” للرئيس علي عبدالله صالح، رحمه الله.
مع أنه حتى الراحة تحتاج لها ترتيباً.. حتى طيب إصلاح المداكي والطفايات..
وحتى ذلك الحين، سيبقى المؤتمر هو من في الثلاجة، كما يقول تحالف الشرعية والإخوان عن الزعيم علي عبدالله صالح، الذي رحل إلى بارئه تاركاً خصومه موجوعين إن لم يعد هنا حتى يشتموه.
وحتى ذلك اليوم.. لدينا مسميات أخرى، علينا دعوتها كي لا تصبح نسخاً من هذا التراخي الذي يترك اليمن لقمة مشتتة بين الحوثي وحلفائه وخصومه المرحليين..
المقاومة الوطنية.. أمامها اليوم مسارات حاسمة، إما تحصل لأفرادها على “أرقام” عسكرية موظفين في جيش الفرقة الذي صار اسمه الجيش الوطني، بعد أن تم توسيعه بين ناصر عبدربه وعلي محسن، فتتعسكر معهما، أو تتلفت حولها وتبحث عن شركاء تقنعهم ويقنعونها على قواسم مشتركة..
أتحدث عن قواسم مشتركة لا عن التطابق، ما عاد بيد أحد يفرض التطابق على أحد. ولو بادعاء أنه هو الوحدة والجمهورية، لو كان وحدة وجمهورية -إذاً- يطلع صنعاء. وإلا يروح مأرب. هي مناطق الادعاء المفرط والكاذب، كل منهما وحدة منفصلة ومركز هامشي.
والمجلس الانتقالي، يحتاج خروجاً من عباءة صراعات دولة 1994.. هو مكون جديد، وُلد بعد وفاة هذه الدولة، ويتطلب جرأة إذاً للقفز عليها، ما ينفع تموت الدولة المحتلة، ويبقي معارضها.. تعارض ماذا يا مجلسنا القدير.
هادي وعلي محسن، اليوم، هما من بقي من دولة 94م، وهما مجرد نازحين.. يرجعان صنعاء وبعدها سنعارضهما نحن.. أما الآن، فهما أدنى من أن يشغلانا بمعاركهما.
على الانتقالي أن يوقظ المقاومة الوطنية، لتدرك أن زمن الادعاء بالوحدة والمركز قد انتهى.. إما نتعاون على صياغة جديدة، وإلا سيجرفنا السيل للأبد.
وعلى المقاومة الوطنية أن تقنع المجلس الانتقالي، أننا اليوم أمام تحول عاصف، إما نتعاون لبناء وطننا المشترك، وإلا من الآن نبحث لنا جوازات لاجئين ونازحين، وصلى الله وبارك.
أنا واحد من أفراد المقاومة الوطنية.. وأتحدث كواحد من هؤلاء الأفراد، الذين يحاولون إقناع المقاومة بأن يكون لها تموضع سياسي وإعلامي، وما أكتبه هنا هو ضمن هذه المحاولات.
لا يصح أن نستمر بهذه الطريقة، كلما زادت التحديات انكفأنا أكثر. وكلما واتتنا الفرص استغشينا ثيابنا ولم نزد إلا اختباءً واختفاءً.
يمكن الإقرار أن العبء العسكري يأخذ جهداً جباراً.. فحراس الجمهورية مقاتلون، عظماء، شجعان.. رجال يقتحمون الصعاب.. لهم كل الإجلال والتقدير..
ولكن بقاءنا مجرد عساكر نقاتل، سيكون مرة أخرى، مشاركة للشرعية وللحوثي في هدم “اليمن” وتحويلها مجرد قطع أرض من يسيطر على هذه يقاتل من يسيطر على الأخرى..
اليمن اليوم بحاجة لخط سياسي وإعلامي يدرك التحديات ويعبِّر عن مصالح الناس بإدراك اليوم، في مواجهة تركة ثقيلة جداً من الماضي.. تركة كان اسمها النظام وصار اسمها الثورة، ثم الحوار.. ثم الشرعية. لكنها في كل وجوهها رهن الماضي لم تفارقه قيد أنملة.. ولا يحتاج هذا الماضي قوة أخرى تحاول خدمته أو تحبس نفسها في معارضته.. بل أطرافاً تقدم البديل للناس.. تقول كلمتها بانفتاح على الاختلاف واستعداد على التضحية.