ثامر الحجامي يكتب لـ(اليوم الثامن):
لبنان: مابين الضاحية والجادرية .. نفس الحكاية
إرتفع ضغطي، وضاقت أنفاسي، وأغمضت عينيً ! حين حلقت طائرة " الشرق الأوسط " متجهة بي الى بيروت، في رحلة سياحية، لم أتصور يوما أني سأقوم بها.. فكيف لذلك الفتى الصحراوي، أن يضع أقدامه في مطار "رفيق الحريري" ويتجول في شوارع بيروت، ملتقطا صورا تذكارية أمام صخرة " الروشة "، يركض دون خجل على رمال شاطئها، محتضنا مياه البحر الذي يراه أول مرة.
كان يملؤني الشغف أن أزور مدينة الشمس " بعلبك "، وأتجول في قلعتها القديمة، فهي من أهم المعالم السياحية في لبنان والعالم، لكن شوقي كان أكثر لمعرفة الحكاية! إنها " مليتا..حكاية الأرض للسماء"، تلك القطعة من الجنة التي شرفتها دماء المجاهدين وباركتها أقدامهم، وذلك النفق الذي حفره ثلاثة الاف مقاوم، أمام أنظار العدو وهو لايشعر، هناك سجادة " عباس الموسوي " وعمامته وقرآنه، تقف في أعلى التل وأنت ترى، كيف أن "دوامة المقاومة " إبتلعت أسلحة العدو وحطمت جبروته، لاتشعر إلا وأنت تقف تحت سارية العلم، الذي يرفرف عاليا فوق التل وتهتف : " النصر للمقاومة".
من الطبيعي أن أتوجه الى الضاحية، حيث رائحة المقاومة وعبق الشهادة، فهناك "روضة الشهداء" تفوح عطرا، ينبعث من قبور الشامخة، التي تروي حكاية شباب، أخذوا على عاتقهم الدفاع عن الامة وصناعة مجدها، في زمن شح فيه الناصر، يتوسط الروضة قبرا الشهيدين عماد وجهاد مغنية الذان ينامان في حضن أمهما، لايسعك إلا أن تقف وتترحم على تلك الدماء الزكية، التي زرعت رعبا لن يزول في قلوب الأعداء، وكتبت تاريخا عنوانه المجد والإنتصار.
ليس ببعيد عن تلك الروضة الطاهرة، كان هناك قاعة "سيد الشهداء"، التي تشهد إحتفالات حزب الله وتجمعاته، لكن القاعة هذه المرة قد تحولت الى معرض كبير للصناعات اليدوية، تجمع فيها أعداد كبيرة من الحرفيين والمزارعين، من مختلف المناطق اللبنانية، فسألت عن السبب الذي جعلهم يقيمون المعرض في هذه القاعة المخصصة للإحتفالات، فأصبت بالدهشة من الجواب، ذلك أن المقاومة وقائدها لم تسلم من الدعايات المغرضة والتسقيط السياسي، بسبب هذه القاعة ! فبعضهم يقول أنها سجن كبير، وآخر يقول انها معتقل لمناوئي حزب الله ! لذلك جُعلت مركزا ثقافيا وإجتماعيا مفتوحا أمام اللبنانيين، ليدخلوها ويشاهدوا الحقيقة بأم أعينهم.
حين سمعت حجم الإتهامات والتسقيط، الذي تعرض له السيد نصر الله بسبب قاعة، قفز الى ذهني قضية الجادرية والصاقها بالسيد عمار الحكيم، الذي لديه قاعة مشابهة، فرغم إن قاعة الجادرية تستقبل آلاف الزوار سنويا، وتقام فيها مواكب العزاء في محرم، وفعاليات كثيرة تخص شرائح مختلفة من المجتمع، ففيها يقام مهرجان ذوي الإحتياجات الخاصة، وفيها يعقد مؤتمر مناهضة العنف ضد المرأة، وملتقى لكثير من الكتاب والمفكرين في العراق، ومقرا لتحالف الإصلاح الوطني، وقبله التحالف الوطني العراقي، ومنها شيع العشرات من شهداء الحشد الشعبي والقوات الأمنية، كل ذلك لم يشفع لها أمام جيوش التسقيط والدعايات الكاذبة.
مثلما حول المبغضون لنصر الله القاعة الى سجن كبير، كذلك فأن المبغضين لعمار الحكيم، قد صورا للآخرين إنه إحتل الجادرية برمتها، ويبدو أن المستهدف في كلا الحالتين، هو ما يحمله هذان السيدان من مشروع للدفاع عن الأمة، وإن تعددت الأدوار فيه وإختلفت الوسائل، لكنه يملك وحدة الهدف.