نبيل الصوفي يكتب :

عن الجنوب.. ضد سلطة الهاربين وادعاءات الشاردين

كتب عني فتحي بن لزرق محرضاً الوحدويين بأني انفصالي.. ومحرضاً الجنوبيين بأني سأخذلهم وسأظهر بعدها وحدويتي.

لقراءة مقال فتحي بن لزرق > حراكيون من الشمال

اعتراضي الجوهري الأول على ما قاله هو أنه قال إن هذا هو ما فعله حميد الأحمر وتوكل كرمان مع الجنوب.. لو أنه قال، مثلاً، إن هذا هو ما يفعله عبدربه منصور هادي.. وما يسير فيه خطابياً زميلي فتحي نفسه، لكنت تفهّمت ما قال..

فعبدربه منصور، وصحفي الرئاسة الجديد الزميل فتحي، يحرّضان ضدي في تناقض عجيب بشأن موقفهما هما.

وحدوياً هما يقولان إن الجنوب سيعود للوحدة شاء أم أبى.. وإن الجنوبيين ليسوا رجال دولة والشمال عبارة عن إرهابيين مع علي محسن أو ضد الثورة مثل طارق صالح، أو “حق دعس” مثل أبناء تعز.. رئيس قال في اتصال سجّله له مدير مكتبه عن قيادات جنوبية “نيك اميتاهم”….

هو وعياله في الوظيفة.. يهاجمون عدن حين تقبل معسكراً لطارق، ويهاجمون الجنوبي حين يقاتل في الحديدة ضد الحوثي، وكان فتحي نفسه يكتب عن الواحد منهم أنه مقاتل بـ”ألف ريال”.. لا تدري هم مع الوحدة أو ضدها، مع الشمال أو ضده.. مع الجنوب أو ضده، هم كل هذا.. المهم تبقى البلاد في عبث لا يقطع عنهم المصاريف.

الوحدة عندهم واجب في مواجهة الجنوبيين، ومرفوضة في مواجهة الشماليين.. والاستقلال عندهم مرفوض إذا طالب به الجنوبيون، ومطلوب إذا نساه الجنوبيون أنفسهم.

لا أريد أن أدور في خطابكم يافتحي..
لا أدري لماذا كل هذا القلق من الحوار المحترم الذي ينشأ بيني وبين الأصوات الجنوبية.. ما الذي يضركم من تهدئة الصراع الكلامي بين خصمين يعيدان التموضع في معركة وطنية قومية كبرى لن يلغي أيٌ منهما الآخر..

يفترض أن هذا يحظى بالتشجيع وتؤيدون حوارات شمالية جنوبية أكبر وأعمق سياسياً وإعلامياً لتساند التوحد الشمالي الجنوبي القائم اليوم في الحديدة، والذي وقف هادي ضده أيضاً، للأسف، بتوقيع السويد.

أما عني أنا.. لن أتحدث عن علاقتي بالقضية الجنوبية منذ نشأتها منذ وأنا رئيس لتحرير صحيفة الصحوة، التي كانت أول صحيفة يمنية تعيد الرئيس علي سالم البيض إلى صفحاتها، وفيها ومنها بدأ الدكتور ياسين سعيد نعمان الكتابة بعد سنوات ما بعد 94.. ونظمت ندواتها في عدن مبكراً بمشاركة من الأستاذ علي هيثم الغريب وغيره..
ثم بعدها كل وسائل الإعلام التي تشرفت بإدارتها.. 
ولكني في 2015، أخطأت كثيراً في تقدير الموقف وخلطت بين هادي والإصلاح والجنوب، ووقفت مؤيداً للحوثي، ولا أريد أن اوضح أي تفاصيل تبريرية.. فليس هذا وقتها، في النهاية كان خطابي وموقفي من 2015 وحتى 2017، ضد الجنوب.. وإن استثنيت المجلس الانتقالي من ذلك، وكنت مؤيداً لإنشائه منذ اللحظة الأولى.. لأسباب سأشرحها في مقال آخر عن الدور العظيم الذي لعبه الحراك الجنوبي في الحفاظ على الجنوب ومنعه من السقوط في براثن الحوثي كما سقط الشمال بسبب الإصلاح والمؤتمر.

خلال ثلاث سنوات كنت محارباً ضد الجنوب وقلت ضده كل أوصاف الحرب والإدانة.
ثم سقط فوق رأسي كل الموقف الذي كنت أسكن في داره بصنعاء.. ولم أتأخر لحظة، بل خرجت من صنعاء قاصداً الجنوب، مستعداً لكل ما سيقرره هذا المجتمع الذي حاربته.
ليس لي شروط ولا حتى بالنجاة، فكل البناء النظري لبقائي في صنعاء انهار، وبدا الحوثي هو العدوان الحقيقي الذي رفض الاعتراف بي وأنا معه.. فكيف لي أن أتشرط على طرف كنت أصلاً ضده.
أنا لليوم لا أفهم كيف يهرب الواحد منّا من بيته وقريته ومدينته في تعز أو صنعاء، تاركها هي للحوثي.. ثم يريد البقاء حاكماً في الجنوب، تاركاً الشمال للحوثي، هذه اسمها وحدة حقيقية ولكن مع الحوثي.. تقاسم للبلاد.

ولم تكن صدمتي وأنا في عدن، فقط فيما يخصني أنا، بل في كل شيء.. رأيت حالاً نقيضاً لكل التضليل الذي اتفق في إشاعته عبدربه منصور هادي مع الإصلاح مع بقايا المؤتمر مع الحوثي.. لتصوير الوضع في عدن نقيض واقعه إلى حد كبير.. لا تزال عدن كما هي عليه، صامدة ضد كل آلة الإرهاب والترويع التي تحاربها منذ مائة عام..

عدن يا فتحي، استقبلتنا نحن مواطني صنعاء الذين كنا نقاتلها.. ليس فقط العفافشة، بل حتى الهادويين والإصلاحيين.. عدن متخمة بأعضاء من الإصلاح والمؤتمر من كل المحافظات.. كلهم يسكنون في عدن، وكل منهم يكتب ضد عدن وهو في عدن.. ولا يقول أبداً إنه في عدن.
ثم تأتي أنت لتحرضنا جميعاً ضد بعضنا.. وضد عدن. كما تفعل ضد صنعاء.

ارحموا الجنوب يا رجل..
قاتل الله السلطة والأجندة الخارجية التي قلت إن هادي نصح اليمنيين بالابتعاد عنها..

يافتحي، أنا اليوم مقيم في المخا، موحداً مع ابن يافع وابن الضالع وابن عدن وابن أبين وابن ذمار وتعز نقاتل لنهزم الانفصال الذي تحقق ضدنا جميعاً في قلب صنعاء.

أنا أناقش الجنوبيين، بأن الزمن اليوم مختلف، لم يعد لخطاب الوحدة والانفصال أي قيمة.
صنعاء انفصلت وانتهى الأمر.. 
وعدن ويافع وأبين والضالع والصبيحة وحضرموت.. اليوم موحدة مع اتجاه ضم تحالف عربي يبدأ في الرياض ويمر بأبوظبي والقاهرة والكويت وغيرها..
تغيرت معاني الوحدة والانفصال يافتحي.. قل لعبدربه منصور، هذا الكلام..
قل له إن هذا الماضي مات وشبع موتاً.
صنعاء انفصلت وخلصت..
انفصلت عن الجنوب بسببنا كُلنا، شجعناها في 94 ضد البيض الذي تنازل عن دولته وشل عفشه وجرى على صنعاء التي كان يراها رمزاً وطنياً.. وفقط لأجل حماية نفوذ أفراد على عمران ومنع الدولة من التوسع شمالاً أشعلت الحرب ضد الاشتراكي.. وكلنا نصرنا صنعاء ضد اليمن كلها.

وكما قلت أنت فعلاً، فإن بعضنا عاد لتشجيع صنعاء الهادوية الإصلاحية ضد عدن بعد 2011 بعد أن صرف الأكاذيب للجنوب، ثم أطلق الرصاص مرة أخرى ضد المتظاهرين، قائلاً إن ما في صنعاء ثورة لها الحق في إسقاط النظام أما في عدن أو الضالع فهي خيانة يجب قتل أي متظاهر فيها..
وبعضنا كرر الخطأ في 2014م ووقف مع صنعاء الحوثية ضد عدن والجنوب للمرة الثالثة..

واليوم صنعاء ذاتها تعبت من نصرنا لها ضد بلادها فطردتنا وسلمت نفسها للحوثي ضدنا أجمعين..
وفيما قاتل الحوثي كل الأطراف شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً، ونشر مسلحيه القتلة يعيثون في الأرض الخراب، فتح الجنوب للناس جميعاً ذراعيه، يطالبهم فقط بالاعتراف به وبوجوده وبحقه وبدوره وعظمة مجتمعه..

يا رجل، أتعبنا الجنوب.. ولا يزال لنا جميعا أباً وأماً.. فقط اعترفوا له بحقه، أنتم تحتاجونه سنداً، فتوقفوا عن غرز المواجع في كبده.

فتح الجنوب ذراعيه لبناء وجود بشروط جديدة أولها أن لا مكان لأي من دول 94 و2011 و 2014.. هي أصلاً لم تعد موجودة في عاصمتها التي خطفها الحوثي الذي تحاورونه وتراضونه، فكيف بالله عليكم نريد إحياء هذه السلط في المدينة التي عانت منها جميعاً، وبكل صلف وعنجهية..

صدقني أنا مع الجنوب، ولو ضد قياداتي مناطقياً أو سياسياً..

سأكذب إن قلت إني أتمنى لليمن التمزق والشتات.. غير أنه إذا لم نكن جديرين بإحقاق الحق ضد أنفسنا وأخطاء الماضي.. فهذه ليست وحدة، هذه اسمها لصوصية..

خلاصة القول، بدلاً من الإغراق في هذه التفاصيل، سأقول لك قولاً فصلاً.. لنترك “العمالقة” يوحدوننا ضد الحوثي.. يقودون إلى تحرير صنعاء، وحينها سيظهر إن كانت وحدة فلا فرق من سيحكمنا فيها.. وإن كانت الحكاية استحواذاً، فقد شب الجنوب عن الطوق، وهو أصلاً من يومه شاب عن الطوق.. الجنوب ليس يوماً أو يومين، هو وجود ضارب في الأعماق..