ثامر الجحامي يكتب لـ(اليوم الثامن):
العراق: حكومات الفوضى
حكومة قوية؛ هكذا تعودت أغلب الأنظمة الدكتاتورية أن تمسك بالسلطة، ومعنى القوة أن تمسك بدفة الحكم بقبضة من حديد، تبطش بجميع المعارضين، فلا نسمع إلا التمجيد والتبجيل للحاكم، ولا نرى إلا دماء تسيل عند معارضة الحكم الرشيد !.
إنتقل العراق من الحكم الدموي الى مفهوم الحكم الديمقراطي بعد عام 2003، أنتج حكومة تعاملت وفق أضلاع ثلاثة، هي التحالف الشيعي ذو الأغلبية الشعبية والسياسية، والتحالف السني الرافض للعملية السياسية الجديدة التي جعلته أقلية، إضافة الى تحالف الكردي سعى الى تكوين دولة آخرى داخل العراق، ولا يشعر بالإنتماء إليه إلا بقدر تعلق الأمر بمصالحه المالية والسياسية.
كان الأمر يسير بنجاح في بناء دولة تقوم على هذه الأركان الثلاثة، لولا القفز على هذه التحالفات، وخلق تحالفات جديدة مبنية على المصالح الحزبية والشخصية، وتوزيع الأموال والثروات خارج الأطر الديمقراطية والدستورية.
نتيجة لذلك كان حدوث فوضى سياسية عارمة، أدى الى إحتقان طائفي ومذهبي ودعوات قومية للإنفصال، وإستشراء الفساد المالي والإداري، أدخل العراق في نفق مظلم، عانى فيه من الإرهاب والحروب الطائفية والعبثية .. والتدخلات الدولية جعلته ساحة لتصفية حساباتها السياسية، ولم تنقشع الغبرة إلا بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وحدثت إنتخابات 2018 حيث ظهرت مفاهيم سياسية جديدة بحسابات وعناوين مختلفة، مع أن الشخوص الممسكين بالدفة هم أنفسهم غالبا .. بالرغم من تغير أوزانهم السياسية.
ظهرت بعد إنتخابات عام 2018 تحالفات جديدة كسرت التحالفات القديمة، غاب عنها الصراع الطائفي والقومي الى حد ما، لكنها جعلت من الشركاء السابقين خصوما سياسيين، فإنتقل الصراع داخل البيئة السياسية والإجتماعية نفسها، وصارت بعض الكتل السياسية تستعين بثقلها السياسي والحكومي، بل يصل احيانا الى الاستقواء بالخارج والتهديد بالفصائل المسلحة، على كتل اخرى تشاركها النفوذ السياسي والمناطقي.. هذا الأمر انسحب على جميع المكونات العراقية، وهو ما خلق حالة عدم الاستقرار السياسي، في أغلب الحكومات المحلية في المحافظات العراقية.
ما تشهده البصرة من مشاكل أثرت على أوضاعها الإجتماعية والإقتصادية، ومهزلة إنتخاب محافظ بغداد، والصراع على منصب محافظة واسط، وإقالة محافظ النجف ومحافظ كربلاء، والمشاكل الكبرى في محافظات كركوك وديالى، إضافة الى الحوادث الأمنية في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين، هو خير شاهد على حجم المشاكل السياسية التي طفت الى السطح بسبب التحالفات السياسية الجديدة، جعلت المحافظات العراقية في حالة فوضى، وعدم إستقرار الحكومات المحلية، التي تتصارع فيما بينها للظفر بكرسي السلطة.
لم يتضح الى الآن النهج السياسي الذي تسير عليه الحكومات العراقية، وهل هي حكومة مركزية قادرة على إدارة البلد، وتحقيق ما عليها من إلتزامات، أم حكومات محلية مستقرة قادرة على النهوض بالواقع المزري الذي تعيشه المحافظات، أم سيبقى الوضع كحال الغراب الذي أضاع مشيته ؟.