أزراج عمر يكتب:
سراب موضات النقد
هناك بدايات اهتمام بالدراسات الثقافية والنقد الثقافي بالجزائر، وأمام ذلك وجدت نفسي متأرجحا بين شعورين متناقضين يصعب عليّ الفصل بينهما، ويتسم الأول بالفرح جراء شروع الأجيال الجديدة من الأكاديميين في الانفتاح على التخصصات المنفردة والمتضافرة في مختلف الحقول المعرفية والتي برزت في الغرب في فترة الثلاثينات وما بعدها.
وأعني النقد الثقافي في أميركا ثم في بريطانيا، خلال فترة الخمسينات والستينات، وازدهرت الدراسات الثقافية في مرحلة السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن العشرين ببريطانيا.
أما الشعور الثاني المناقض للأول، فهو نابع من السؤال التالي: كيف يمكن لدارس أو لمنظَر لم يعش في المجتمعات التي نبعت منها التجربة الفكرية والسياسية والاجتماعية التي فجرت الدراسات الثقافية والنقد الثقافي، ولم يشارك عن كثب في تثبيت ثم تطوير معمارها النظري والتطبيقي على نحو ذاتي أو بمساعدة إطارات الجامعات التي ولد أو انتشر فيها مثل هذين التخصصين، ولم يتكوّن أكاديميا على أيدي رواد هذين الحقلين سواء من الجيل الأول المؤسس لهما، أو من الجيل التالي الذي وضع على عاتقه مهمة تطوير ونشر الأسس النظرية والممارسة التطبيقية لكل من هذين التخصصين؟
إنه من الممكن أن يحاور الراصد نقاط القوة والضعف في اجتهادات عبدالله بن محمد الغذامي لنقل ملامح النقد الثقافي من الفضاءين الأميركي والبريطاني، بعد أن درس وعاش ببريطانيا في فترة السبعينات من القرن العشرين، إلى نقد أنساق التجربة الثقافية العربية، وكذلك جهود الأكاديمية العراقية فريال غزول لتوظيف الجهاز النظري والآليات التطبيقية التي استخلصتها من المحاجة الدراسية التي انخرطت فيها بأميركا وأشرف عليها مباشرة أحد الرواد المعاصرين في تخصص الأدب المقارب، والدراسات النقدية ما بعد الكولونيالية، وهو إدوارد سعيد، ففي الجزائر ظهر كتاب الدراسات الثقافية، وكتاب النقد الثقافي المقارن لحفناوي بعلي الذي اتهم بـ”بالتلاص” وليس بــ”التناص”.
هناك أيضا عدة كتب في العالم العربي تحت عنواني النقد الثقافي والدراسات الثقافية، وهي في الغالب شروح لشروح مفاهيم ومصطلحات ابتكرها نقاد ومنظرون غربيون.
يقول ستيوارت هول، أحد مؤسسي ومطوري الدراسات الثقافية، إن الدراسات هي مشروع سياسي بالدرجة الأولى نهض على أساس محاولة لبناء اليسار البريطاني/ الغربي الجديد ومن أجل مقاومة الهجمة الرأسمالية الأميركية ورأسمالها الثقافي وعرابتها مارغريت تاتشر، فهل توجد بنيات اجتماعية ثقافية مشابهة أو مطابقة ببلداننا يمكن أن تشتغل الدراسات الثقافية على نموذجها الغربي لدراستها ونقدها، أم الذي يحصل عندنا ليس سوى موضات مستوردة تبدو ماء عن بعد وهي سراب؟