منصور صالح يكتب:
فيروز .. ووحدة اليمن
تذكْرنا فيروز وهي تغني في إحدى روائعها “أنا عندي حنين ما بعرف لمين” بحال اليمنيين وحنينهم الدائم إلى ماضيهم الذي مذ عرفناه وهو ماضٍ بلا ملامح.
مثل فيروز يُحدّثك اليمنيون بحنين جارف، عن حنينهم الغامض، إلى ماضيهم، الذي لا ينفكون عن التغني به، وبأمجاده، لكنهم في واقع الحال لا يتذكرون شيئاً محدداً يستحق الحنين، لإن كل ماضي اليمن أو جُلّه متشح بالسواد، وليس فيه في ما يستحق الحنين والأماني ليعود.
لليمنيين طقوس غريبة، فهم، رغم قدرتهم على التغيير وصنع المستقبل، مغرمون بالماضي، تشعر وانت تتابع أحاديثهم عنه، وكأنهم من كانوا يحكمون الكون، وكانوا هم سلاطينة وأسياده، في حين أنك اذا حاولت معرفة كنه هذا الماضي، لوجدته، مليئ بالمآسي والانكسارات، والقحط والجوع والحروب، وكل تلك المصائب، على شدة وطأتها، ظلت تلازم حياتهم منذ ان نخر فأرٌ هزيل سدهم العظيم في صحارى مأرب، فشردهم في كل أصقاع الدنيا، ومازالوا على هذه الحال إلى هذه اللحظة، وسيظلون إلى ما بعدها بكثير.
يكره اليمنيون، سنة التغيير، فقد اعتادوا، من دون ان يشعروا، ان يظلوا أسرى الماضي، فهم قومٌ كلما اشتكوا من حالٍ وغيروه بحالٍ جديد، عادوا ليلطموا خدودهم حنينا الى تلك الحال التي اشتكوا منها طويلاً، وبوصفه كان زمناً سعيداً واستثنائياً، وزمن عز وسؤدد.
يعتقد كثير من اليمنيين أنهم أكثر شعوب اعتزازاً بهويتهم، فهي في نظرهم أصل العرب، والعجيب انك اذا سألت يمنياً عن ماضيه، سيخطب فيك خطبة عصماء ويتنهد بعمق، بأنه كان ماض جميلاً، فإذا ما تداركته بالسؤال: ما الجميل تحديداً الذي يستحق كل هذا التنهيد والحنين؟ سيجيبك كما قالت فيروز”ما بعرف لمين”.
في كل حركة تغيير حدثت في اليمن،غالباً ما تتدخل قوى النفوذ والفساد لإفشالها وإفراغها من محتواها، حتى اذا ما قاربت الفشل، ينفض الجميع من حولها، ولا تجد من يتمسك بها، وبالمستقبل كطوق نجاة، إلاّ قلة، بينما الأغلبية تحن للماضي، وان كان سجوناً مظلمة أو أسواطاً ما زالت علاماتها مرسومة على ظهورهم.
وانطلاقاً مما سبق، من المؤسف القول: ان حال اليمن لن تتغيّر إلى ماهو أفضل ما دامت، تتحكم فيه ثقافة الهروب من المستقبل إلى الماضي، وليس العكس، والحنين الى أوهام لم تكن موجودة أصلاً، واعتبارها مقدسات، اذ لا يمكن النهوض إلاّ بالتمسك بها.
في اليمن تشيع تجارة الكذب وتزوير التاريخ لدى كثير من النخبة، من ساسة ومؤرخين، ممن يوهمون العامة بوقائع لم تكن موجودة، ويرسخون في الأذهان ان العودة إلى الماضي هي عامل التقدم والقوة والنهوض، ولذلك تجد أغرب الحروب تحدث في اليمن انتصاراً للماضي، وليس للحاضر أو المستقبل.
في شأن الوحدة اليمنية كأحد أبرز أسباب الصراع يتجسد أحد نماذج الوهم الماضي، إذ يحدثك الساسة والمثقفون عن اليمن الموحد الذي كان، ويعترضون على قولك تحقيق الوحدة اليمنية،بالقول، بل قل:إعادة تحقيق الوحدة اليمنية.
يا إلهي، وهل كانت اليمن في الأصل دولة، أو مسمى واحد قبل قيام متوكلية الإمام في الشمال في عام 1918، في حين كان الجنوب تحت الحكم البريطاني منذ 1938 حتى 1967؟
تحت هذا الوهم لا يريد ساسة ومثقفو اليمن الحديث عن امكانية ان تكون الوحدة التي قامت في1990، وفشلت في مهدها، بوابة للانطلاق نحو المستقبل، لكنهم يصرّون على انها قضاء وقدر، وان اليمن كان واحدا عبر التاريخ وينبغي ان يظل موحداً.
وكما تجيب فيروزسيجيبك مثقفو الوحدة :متى تحديداً كانت اليمن بلداً واحداً، ومن وحدها تحت اسم اليمن؟ أن يقولوا لك : مابعرف متى ولا مين؟
السياسة الكويتية
مثل فيروز يُحدّثك اليمنيون بحنين جارف، عن حنينهم الغامض، إلى ماضيهم، الذي لا ينفكون عن التغني به، وبأمجاده، لكنهم في واقع الحال لا يتذكرون شيئاً محدداً يستحق الحنين، لإن كل ماضي اليمن أو جُلّه متشح بالسواد، وليس فيه في ما يستحق الحنين والأماني ليعود.
لليمنيين طقوس غريبة، فهم، رغم قدرتهم على التغيير وصنع المستقبل، مغرمون بالماضي، تشعر وانت تتابع أحاديثهم عنه، وكأنهم من كانوا يحكمون الكون، وكانوا هم سلاطينة وأسياده، في حين أنك اذا حاولت معرفة كنه هذا الماضي، لوجدته، مليئ بالمآسي والانكسارات، والقحط والجوع والحروب، وكل تلك المصائب، على شدة وطأتها، ظلت تلازم حياتهم منذ ان نخر فأرٌ هزيل سدهم العظيم في صحارى مأرب، فشردهم في كل أصقاع الدنيا، ومازالوا على هذه الحال إلى هذه اللحظة، وسيظلون إلى ما بعدها بكثير.
يكره اليمنيون، سنة التغيير، فقد اعتادوا، من دون ان يشعروا، ان يظلوا أسرى الماضي، فهم قومٌ كلما اشتكوا من حالٍ وغيروه بحالٍ جديد، عادوا ليلطموا خدودهم حنينا الى تلك الحال التي اشتكوا منها طويلاً، وبوصفه كان زمناً سعيداً واستثنائياً، وزمن عز وسؤدد.
يعتقد كثير من اليمنيين أنهم أكثر شعوب اعتزازاً بهويتهم، فهي في نظرهم أصل العرب، والعجيب انك اذا سألت يمنياً عن ماضيه، سيخطب فيك خطبة عصماء ويتنهد بعمق، بأنه كان ماض جميلاً، فإذا ما تداركته بالسؤال: ما الجميل تحديداً الذي يستحق كل هذا التنهيد والحنين؟ سيجيبك كما قالت فيروز”ما بعرف لمين”.
في كل حركة تغيير حدثت في اليمن،غالباً ما تتدخل قوى النفوذ والفساد لإفشالها وإفراغها من محتواها، حتى اذا ما قاربت الفشل، ينفض الجميع من حولها، ولا تجد من يتمسك بها، وبالمستقبل كطوق نجاة، إلاّ قلة، بينما الأغلبية تحن للماضي، وان كان سجوناً مظلمة أو أسواطاً ما زالت علاماتها مرسومة على ظهورهم.
وانطلاقاً مما سبق، من المؤسف القول: ان حال اليمن لن تتغيّر إلى ماهو أفضل ما دامت، تتحكم فيه ثقافة الهروب من المستقبل إلى الماضي، وليس العكس، والحنين الى أوهام لم تكن موجودة أصلاً، واعتبارها مقدسات، اذ لا يمكن النهوض إلاّ بالتمسك بها.
في اليمن تشيع تجارة الكذب وتزوير التاريخ لدى كثير من النخبة، من ساسة ومؤرخين، ممن يوهمون العامة بوقائع لم تكن موجودة، ويرسخون في الأذهان ان العودة إلى الماضي هي عامل التقدم والقوة والنهوض، ولذلك تجد أغرب الحروب تحدث في اليمن انتصاراً للماضي، وليس للحاضر أو المستقبل.
في شأن الوحدة اليمنية كأحد أبرز أسباب الصراع يتجسد أحد نماذج الوهم الماضي، إذ يحدثك الساسة والمثقفون عن اليمن الموحد الذي كان، ويعترضون على قولك تحقيق الوحدة اليمنية،بالقول، بل قل:إعادة تحقيق الوحدة اليمنية.
يا إلهي، وهل كانت اليمن في الأصل دولة، أو مسمى واحد قبل قيام متوكلية الإمام في الشمال في عام 1918، في حين كان الجنوب تحت الحكم البريطاني منذ 1938 حتى 1967؟
تحت هذا الوهم لا يريد ساسة ومثقفو اليمن الحديث عن امكانية ان تكون الوحدة التي قامت في1990، وفشلت في مهدها، بوابة للانطلاق نحو المستقبل، لكنهم يصرّون على انها قضاء وقدر، وان اليمن كان واحدا عبر التاريخ وينبغي ان يظل موحداً.
وكما تجيب فيروزسيجيبك مثقفو الوحدة :متى تحديداً كانت اليمن بلداً واحداً، ومن وحدها تحت اسم اليمن؟ أن يقولوا لك : مابعرف متى ولا مين؟
السياسة الكويتية