عمر علي البدوي يكتب:

السعودية تنسج علاقتها الجديدة بهدوء ووعي

أنهى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان زياراته المثمرة والمؤثرة إلى باكستان والهند والصين، والتي يقود من خلالها بلاده إلى مرحلة جديدة، تكون فيها الرياض قطبا لسياق مختلف يغيّر وجهة المنطقة ويحكم آليات العمل في سياساتها ويضبط معادلات الحراك الاجتماعي والاقتصادي فيها.

يسافر الأمير محمد، محمّلا بالمشاريع التي تنطوي عليها رؤية السعودية 2030. ويفتح خرائط العمل الدؤوب على كل الطاولات التي يجلس حولها متطلعا للعب دور ما في صيغة العمل التي تنتظم فيها مجموعة من عواصم الجغرافيا.

وفي باكستان التي يقودها عمران خان القادم من أوساط غير سياسية تقليدية، كثيرا ما روّج خصوم السعودية أن رئيسا بهذه الخلفية لن يكون بردا وسلاما على الرياض، لكن الحقيقة جهرت بخلاف ذلك.

ولقي الأمير محمد بن سلمان منذ وصوله إسلام أباد حفاوة غير مسبوقة. وأضفت حرارة الاستقبال والترحيب الكثير من الألق على برنامج الزيارة الزاخر بالوعود والنوايا الصافية. ولم تكن النوايا الطيبة والحفاوة الصافية وحدها عنوان زيارة الأمير محمد لباكستان، بل كانت دلالات الزيارة في ظل تداعيات الانفجار الذي أدى إلى مقتل 27 عنصرا من الحرس الثوري. وافتعلت طهران اتهامات ملفقة لباكستان والسعودية والإمارات بالوقوف وراء التفجير بالتزامن مع الزيارة.

وهو تشويش تعودت إيران ممارسته ضد كل تحرك يوسّع من نفوذ السعودية، وكذلك فعلت قطر بإشاعة أخبار مهلهلة عن مظاهرات شعبية ضد زيارة ولي العهد السعودي إلى باكستان. وعادة ما تذهب تلك الصيحات المغرضة سدى وبلا طائل، كتلك التصريحات المتشنجة التي لا يكف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن إطلاقها ضد الأمير محمد بن سلمان التي تذروها الرياح ولا تسمع لها ركزا.

ومن باكستان إلى الهند، انتقل الأمير محمد بن سلمان. وهناك استقبل بنفس الحفاوة، إذ استمرت ظاهرة كسر البروتوكولات في استقبال الضيف الخليجي المهم. وتواترت الأخبار عن دور سعودي قد تلعبه الرياض لإصلاح شقوق أزمة تاريخية بين البلدين. وستضع السعودية ثقلها الاقتصادي والديني والدبلوماسي لدعم فكرة المصالحة الحرجة التي قد ترفع عنهما كاهل العداوة وتدفعهما إلى بحث مستقبل أقل تورط في متوالية الضغينة واستنزافاتها.

ويزور الأمير محمد في محطته الثانية بلدا نهض من وحل مشكلاته المعقدة وارتقى إلى علياء طموحه الكبير. راهن على الإنسان في محيط واسع من الإحباطات. الهند التي عانت مرارات الاستعمار وضعف الموارد وجروح السياسة والوهن الاجتماعي، تجاوزت كل ذلك لتصبح بلدا منافسا، وبمقدور هذه القصة أن تلهم طموح الرياض لزيادة فعاليتها وشحن رؤيتها نحو المستقبل المختلف.

وبعد سلة زاخرة من الاتفاقيات والمذكرات التي جمعت البلدين، واللقاءات التي عقدها الأمير محمد في بلد البحوث التقنية والتكنولوجية، وهي أكثر ما تبحث عنه السعودية في رؤيتها الجديدة، غادرت طائرته إلى الصين محققا خطوة في سلم علاقة تنمو بهدوء ووعي. في بكين العاصمة التي تزحف دون عوائق لتحتل صدارة المشهد، بسياسة النأي إلا من الرهان على أدوات الاقتصاد والاستثمارات، وهي المفردات التي تشكل وعي المستقبل السعودي.

يلمح المتأمل في سير العلاقة التي تجمع الرياض ببكين، رهان السعودية على فرص التطوير وإنماء المشتركات بين البلدين. ولذا فقد ضمّت مخرجات الزيارة أكثر مما تحتمله جولة عابرة. فتحت الرياض أهم نافذة للتواصل بين الشعوب ذاهبة بالتنسيق والتفاهم إلى مرحلة بعيدة.