هاني مسهور يكتب:

عُقدة الحديدة والحل الأميركي

ما كان يفترض أنه مدخل لحلّ الأزمة في اليمن تحوّل إلى عُقدة في الملف اليمني، فالمجتمع الدولي الذي دفع باتجاه تحويل إجراءات بناء الثقة في ستوكهولم إلى اتفاق سياسي عمل عليه البريطانيين لتوثيقه بالقرارات الدولية (2451 و2452) تحوّل بعد شهرين إلى اتفاق يصعب تنفيذه، تماما كما هي القرارات الدولية التي صدرت في حق القضية الفلسطينية قبل أكثر من نصف قرن.

من الواضح أن الأطراف اليمنية لم تصل إلى نقطة القبول بالتسوية السياسية، ومن الواضح أيضا أن طرفيْ الصراع في اليمن مازالا يمتلكان قدرا كبيرا من المضي في مواصلة اللاحرب واللاسلم، فكلا الجانبين، الحكومة الشرعية والانقلابيين الحوثيين، يجدان في الاستهلاك الإعلامي ما يلبي رغباتهما أمام جماهيرهما، فكما يزايد الحوثيون على انتهاز أخطاء الشرعية السياسية والاقتصادية وقبل ذلك العسكرية في الإطار الإعلامي، تجد الحكومة الشرعية مواد أخرى للاستهلاك الإعلامي عبر ابتداع معارك لا تتجاوز الإعلام.

يدفع اليمن ثمن صحوة أميركية طرأت فجأة عندما تحدث وزير الدفاع الأميركي السابق جيمس ماتيس في أكتوبر 2018 عن نهاية للحرب في اليمن بغضون 30 يوما، بعد ذلك التصريح خرج وزير الخارجية مايك بومبيو ليؤكد أن الولايات المتحدة ستدفع باتجاه إنهاء الحرب اليمنية، وأنها ستدفع الأطراف للقبول بتسوية سياسية. كانت تلك الصحوة قادرة على أن تجمع اليمنيين في ديسمبر 2018 ليجتمعوا في ستوكهولم تحت إطار بناء إجراءات الثقة.

نجح مبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث في انتهاز الفرصة النادرة، فعلى مدار سنوات الأزمة اليمنية لم تلوّح الولايات المتحدة بالعصا الغليظة التي كانت قادرة في تلك اللحظة على تحويل مشاورات بناء الثقة إلى اتفاق سياسي مدعوم بإجراءات على الأرض. الإستراتيجية بالنسبة للقوى الدولية كانت إضعاف القرار 2216 بعد قراءة الواقع الميداني بشكل دقيق، فالولايات المتحدة وبريطانيا تدركان تماما أن العمليات العسكرية الميدانية في الساحل الغربي هي عنصر الضغط الوحيد القادر على تغيير المعادلة التي فرضها الحوثيون منذ يوليو 2015، عندما هزموا في العاصمة الجنوبية عدن وخسروا باب المندب.

واشنطن ولندن حققتا في اتفاق السويد الحد الممكن ما يحقق للمجتمع الدولي فرصة لابتزاز المنطقة في دائرة الصراع القائمة والتي تبرز فيها إيران. فالولايات المتحدة تعتقد أن الإيرانيين سيقدّمون تنازلا ما في اليمن جراء الضغوط الأميركية. يبقى اليمن بالنسبة للأميركيين ورقة من أوراق سياسية في الصراع مع إيران، ولذلك جاءت تصريحات وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت التي أكد فيها أنه تلقى من الإيرانيين وعودا بالطلب من الحوثيين تنفيذ اتفاق السويد رغم نفي طهران أنها قدمت تعهدات للبريطانيين، ومع ذلك تبقى الحقيقة في أن معركة كسر عظم تجري بين واشنطن وطهران الحديدة هي جزء منها.

نجح الحوثيون في تجزئة الحلول اليمنية. تغيرت المعادلات وخسر الأمن القومي العربي القرار 2216 وظهرت على الخارطة في اليمن وقائع مختلفة، فحزب التجمع اليمني للإصلاح يمتلك مأرب وتعز ولن يتقدم شبرا عن مكتسباته في معركة الدفع بقواته الموجودة في مأرب والمقدرة بمئات الآلاف من المسلحين، كما لن يخرج الإصلاح عن معادلة تعز التي باتت كتلة سكانية سترجح كفته الانتخابية على الأقل في التقديرات الحزبية، بينما يبقى المؤتمر الشعبي العام الأضعف على الخارطة، فمازالت قواته ضمن إطار ألوية العمالقة الجنوبية.

الأميركيون غير مكترثين بالمعادلات اليمنية، وكذلك لا يكترث صقور البيت الأبيض بما يبحث عنه البريطانيون وخلفهم الاتحاد الأوروبي في سعيهم لمقايضة مع إيران تبقي على الاتفاق النووي حيا. وهي توازنات دولية يتم فيها استخدام التقارير الأممية عن مجاعة وأمراض تفتك بالمسحوقين بين رحى صراع يتجاوز بطون الجائعين في اليمن، بسبب انقلاب أهوج يدفع الملايين من البشر ثمنه، بينما تظل العُقدة محكومة عليها بالاستمرار.

حتى وأن نفذ الحوثيون شيئا من التوافقات فهذا لا يعني تنفيذا لاتفاق السويد، فحتى ميليشيات الحوثي ترغب بتجاوز هذه العُقدة لتصل إلى مرحلة إطار الحل السياسي. فما حققه الحوثيون كان في اتفاق السويد انعكس في قرارات مجلس الأمن التي ساوت الشرعية بالانقلابيين، ووضع مارتن غريفيث الكل في سلة واحدة مستغلا الفشل السياسي والعسكري والاقتصادي للشرعية التي باتت أكثر من مجرد مؤسسة مهترئة، وتحوّلت لمطية إخوانية لا أقل ولا أكثر.