د. صبحي غندور يكتب:

مراهنات ترامب الخارجية.. وأزماته الداخلية!

لقاء القمّة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في فيتنام هو مقدّمة لجملة حراك خارجي ستقوم به الإدارة الأميركية خلال الشهرين القادمين دون وضوحٍ كامل للأبعاد الإستراتيجية لهذا التحرّك، لكن حتماً سيكون موضع توظيف كبير من قبل ترامب على الصعيد الداخلي الأميركي، وربّما أيضاً للتأثير على نتائج تحقيقات روبرت موللر بشأن التدخّل الروسي في انتخابات العام 2016.

وتتزامن قمّة فيتنام مع مؤشّرات عن إمكان إعلان الوصول لاتّفاقٍ أميركي مع الصين ينهي الحرب التجارية التي اندلعت في العام الماضي بين أكبر قوّتين اقتصاديتين في العالم. فلا الولايات المتّحدة ولا الصين ترغبان في استمرار هذه "الحرب"، والتي تسبّبت بأضرار في البلدين معاً رغم محاولة ترامب إظهار أنّ الضرر كان على الصين وحدها. وطبعاً أيّ اتّفاقٍ جديد لواشنطن مع كوريا الشمالية سيحتاج إلى موافقة بكين الراعية الأهم لنظام بيونغيانغ.

وفي الأسبوع نفسه الذي سيحاول فيه الرئيس ترامب التظاهر بأنّه بطل سلام في الأزمة الكورية، فإنّه ونائبه مايك بنس يُصعّدان من لهجة التهديد ضدّ الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو وبأنّ أيامه في الحكم أصبحت معدودة! مع تلويحٍ باحتمال تدخّل عسكري خارجي لحسم الصراع على الرئاسة في فنزويلا.

أيضاً، وفي توقيتٍ متزامن مع ما سبق ذكره، يقوم صهر ترامب جاريد كوشنر بجولة في بعض دول المنطقة العربية تمهيداً لإعلان إدارة ترامب، بعد الانتخابات الإسرائيلية المقرّرة في التاسع من أبريل، عن تفاصيل خطّتها المعروفة باسم "صفقة القرن"، هذه الخطّة التي تستهدف إقامة مشاريع اقتصادية كبيرة في الشرق الأوسط بمشاركة إسرائيل وأطراف عربية، وبتركيزٍ خاص على غزّة وبعض المناطق الفلسطينية، لكن دون ارتباط ذلك بقيام الدولة الفلسطينية المستقلّة أو بمستقبل القدس أو بمصير المستوطنات أو بمسألة حقّ العودة، وهي القضايا الكبرى التي توقّفت المفاوضات بشأنها منذ فترةٍ طويلة، خاصّةً بعد مجيء ترامب للبيت الأبيض واعترافه بالقدس كعاصمة لإسرئيل ونقل السفارة الأميركية إليها، وعدم اعتراضه على التوسّع الإستيطاني في الأراضي المحتلة، ووقفه لكافّة أشكال الدعم للسلطة الفلسطينية وللمؤسّسات الدولية الراعية لشؤون اللاجئين الفلسطينيين.

وستقوم إدارة ترامب طبعاً بنشاط دبلوماسي كبير بعد الإعلان عن خطّة "صفقة القرن" ممّا سيدفع المعارضين لها إلى تحرّكٍ مضاد على المستوين الدولي والإقليمي، خاصّةً في ظلّ رفض القيادة الفلسطينية لهذه "الصفقة"، وهذا ما قد يزيد من حدّة التأزّم داخل منطقة الشرق الأوسط، إضافةً إلى التصعيد المتوقّع في الضغوطات الأميركية على إيران.

أيضاً، من المتوقّع أن تستكمل القوات الخاصة الأميركية إعادة انتشارها في سوريا خلال شهر أبريل، وأن يحصل في الشهر نفسه تخفيض عدد القوات الأميركية في أفغانستان إلى نسبة نصف العدد الحالي، كما ذكرت ذلك جهاتٌ مسؤولة في حركة "طالبان" بعد مفاوضاتها الإيجابية في قطر مع المبعوث الأميركي زلماي خليل زاده.

طبعاً، هناك عدّة أسباب دفعت ترامب لتغيير موقفه بشأن سحب القوات الأميركية من سوريا، وكان أبرزها اعتراض قادة مؤسّسة "البنتاغون" على هذا القرار إضافةً إلى أسماء بارزة من "الجمهوريين" الأعضاء في الكونغرس، ثمّ التحفّظات الأوروبية على إبقاء قوات في سوريا في حال تنفيذ قرار ترامب بالانسحاب الكامل، عِلماً أنّ المبرّر الذي أعطاه ترامب لسحب القوات، وهو القضاء على تنظيم "داعش"، لم يتحقّق بعدُ بشكلٍ كامل.

هذه التطوّرات المهمّة المتوقّع حدوثها خلال الأسابيع القادمة سيحرص الرئيس ترامب على توظيفها لحسابه السياسي الخاص، وهو أشار إلى ذلك صراحةً في مؤتمره الصحفي يوم 15 فبراير حينما تحدث عن جدارته للحصول على جائزة نوبل للسلام وبأنّه يستحقّ الجائزة أكثر من الرئيس السابق أوباما!. وسيخاطب ترامب الأميركيين والعالم بالقول إنّه "بطل سلام" حقّق إنجازاً عظيماً مع كوريا الشمالية، وعرض "خطة سلام" في الشرق الأوسط تشمل الفلسطينيين وكل العرب لتحقيق السلام مع إسرائيل، وبأنّه سينقذ الاقتصاد العالمي من احتمالات صعبة في حال استمرار الحرب التجارية مع الصين، وبأنّه سيحقّق "السلام" قريباً في أفغانستان من خلال المفاوضات مع "طالبان"، وبأنّه يسعى لتنفيذ وعده الانتخابي بسحب القوات الأميركية من سوريا!.

لكن ثغرات وعقبات عديدة داخلية تقف في وجه هذه الادّعاءات "الترامبية"، فالمؤسّسات العسكرية والأمنية الأميركية ما زالت تشكّك في نوايا وخطوات الزعيم الكوري الشمالي، وهي اختلفت أيضاً مع ترامب بشأن سحب القوات من سوريا وأفغانستان، و"البنتاغون" غير متحمّس جدّاً لتحسين العلاقات مع الصين وروسيا حيث يعتبرهما الخطر الأكبر المنافس للولايات المتحدة. ومجلس النواب الأميركي تقوده الآن غالبية من الأعضاء الديمقراطيين الذين سيصرّون على إعلان نتائج تحقيقات موللر، وعلى مواصلة التحقيق مع العديد من الأشخاص الذين عملوا في حملة ترامب الانتخابية، وعلى ريادة التحرّك ضدّ قرار ترامب بإعلان حالة الطوارئ لتمويل الجدار على الحدود مع المكسيك، والتحذير أيضاً من مخاطر التدخّل العسكري في فنزويلا.

أمّا على الصعيد الخارجي، فالخلافات بين إدارة ترامب والاتّحاد الأوروبي تزداد حول قضايا عديدة ممّا سيجعل النشاط الخارجي لترامب حراكاً أميركياً فقط، ولا يحظى بالغطاء الدولي أو حتّى الأوروبي كما كان يحدث مع إداراتٍ سابقة. فلا التصعيد "الترامبي" ضدّ إيران وفنزويلا هو مدعومٌ الآن من مرجعية دولية أو أوروبية، ولا "خطّة السلام" للشرق الأوسط تشارك فيها أوروبا أو ترضى عنها روسيا والصين.

إنّ ترامب هيّأ المناخ الآن لتصعيد محتمل في الشرق الأوسط بسب موقفه من الفلسطينيين وتأييده المطلق لنتنياهو وسياساته في المنطقة، وهذا التصعيد يتزامن مع قرار ترامب بتخفيف التوتّر في الشرق الأقصى حيث الأزمة مع كوريا الشمالية. ترامب يراهن أيضاً على أنّ التصعيد ضدّ إيران ودعم سياسة نتنياهو سيلقى تجاوباً من "الجمهوريين" و"الديمقراطيين" معاً، وهو أقال من كانوا في إدارته يعارضون إلغاء الاتّفاق مع إيران أو التصعيد ضدّها، كوزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس، ويعتمد الآن على مشورات ونصائح جون بولتون ومايك بومبيو المعروفين بمواقفهما السلبية من قضايا العالم الإسلامي عموماً.

ويحرص الرئيس الأميركي الآن على نقل الاهتمام الداخلي الأميركي من مسألة التحقيقات القانونية حول دعم موسكو لحملته الانتخابية إلى قضايا خارجية ساخنة (سِلماً أم حرباً)، وهو هذا المزيج المتوقّع من "سلامٍ" مع كوريا الشمالية ومن "تصعيد" أزمات في فنزويلا والشرق الأوسط. لكن "الحزب الجمهوري" سيضع نفسه في أزمة سياسية وشعبية كبيرة في انتخابات 2020 إذا ما واصل دعمه لترامب، خاصّةً أنّ الانتخابات "النصفية" الماضية لم تكن لصالح "الجمهوريين" بسبب ترامب وسياساته.

ولأنّ ترامب يُدرك مخاطر ما يحدث معه وحوله، في الإدارة وفي الحزب الجمهوري وفي الكونغرس، فإنّه يُعزّز اعتماده على قوًى فاعلة جداً في الولايات المتحدة، وعلى قاعدته الانتخابية، التي هي مزيج من الإنجيليين المحافظين (منهم نائبه مايك بنس) والجماعات العنصرية الحاقدة على الأفارقة واللاتينيين والمسلمين، إضافةً إلى محاولة "شراء" دعم المؤسّسة العسكرية (البنتاغون) من خلال الزيادة الضخمة في ميزانيتها التي تجاوزت 700 مليار دولار، رغم العجز الكبير في الميزانية الأميركية والتخفيض الذي حصل في مشروعاتٍ مهمّة صحّية واجتماعية وتربوية. أيضاً، حصل ترامب على دعم قوّتين ضاغطتين في الحياة السياسية الأميركية وفي الكونغرس، وهما "لوبي الأسلحة" و"اللوبي الإسرائيلي" حيث لكليهما تأثيراتٌ كبيرة على الجمهوريين والديمقراطيين معاً، إضافةً إلى عددٍ كبيرٍ من الشركات والمصانع الكبرى التي تستفيد الآن من برامج وسياسات ترامب الداخلية والخارجية.