خير الله خير الله يكتب:
8 آذار السوري… اليوم المشؤوم
يبقى في أساس النكبة السورية، التي تحوّلت إلى مأساة نعيشها اليوم وسنعيشها غدا، ما حدث يوم الثامن من آذار – مارس 1963. في ذلك اليوم المشؤوم، حصل انقلاب عسكري قاده حزب البعث، بكلّ تخلّفه، أنهى محاولة إعادة الحياة إلى سوريا التي عانت من فترة طويلة من غياب الاستقرار في ظلّ محاولات للقضاء على النسيج الاجتماعي المتنوّع في بلد كان يمتلك كل ما يؤهلّه من أجل لعب دور أساسي يتسم بالإيجابية على صعيد المنطقة كلّها.
قضى الانقلاب العسكري للعام 1963 على عهد الانفصال الذي عمل بين 1961 و1963 على إصلاح ما يمكن إصلاحه نتيجة الوحدة مع مصر، وهي وحدة لم يكن لها أي منطق بمقدار ما أنّها أسست عمليا لقيام نظام أمني في بلد يحتاج إلى كلّ شيء باستثناء مثل هذا النظام. ففي أثناء الوحدة، بدأت هجرة ذوي الكفاءات من سوريا وفي أثناء الوحدة بدأ التأميم الذي قضى على الصناعة والزراعة وعلى كلّ أمل في تقدّم سوريا وتطورّها.
يحتفل العالم في الثامن من آذار – مارس من كلّ سنة بـ”يوم المرأة”. جميل الاحتفال بهذا اليوم الذي يؤكد وجود وعي لدور المرأة على كلّ صعيد ولوجود نساء يتعذّبن في هذا العالم المليء بالتناقضات. مؤسف كيف يتجاهل العالم ما جرى ويجري في سوريا وصولا إلى زجّ آلاف السوريات في المعتقلات وتشريد مئات آلاف العائلات. لا يزال محيّرا كيف لا تزال سوريا بعد ثورة شعبية عمرها ثماني سنوات وكأنّها تفصيل بدل أن تكون موضع اهتمام العالم كلّه بسبب حجم المأساة التي يعاني منها بلد تهجّر نصف شعبه.
ما الذي ارتكبته سوريا كي تلقى هذا المصير؟ الجواب بكلّ بساطة أن سوريا تدفع حاليا ثمن يوم الثامن من آذار 1963 الذي مهّد للانقلاب الذي قاده الضباط العلويون في الثالث والعشرين من شباط – فبراير 1966 ثم لتفرّد حافظ الأسد بالسلطة ابتداء من تشرين الثاني – نوفمبر 1970.
كان انقلاب الثامن من آذار الذي سمّاه البعثيون “ثورة” في أساس ما نشهده اليوم. ليست مأساة سوريا مأساة البلد وحده بنسائه ورجاله وعائلاته ومهندسيه وأطبائه ومحاميه ورجال الفكر والأدب والصحافة والفنّ. مأساة سوريا مأساة المنطقة كلّها التي لم يعد معروفا هل يمكن أن تنتهي يوما وكيف ستنتهي. إنّها أيضا مأساة المدينة السورية، مأساة دمشق وحلب وحمص وحماة واللاذقية التي كانت في الماضي مكانا يلتقي فيه مواطنون من كلّ الأديان والمشارب.
منذ العام 1963، تحديدا، ويمكن هنا الحديث عن مرحلة سنوات الوحدة أيضا، هناك استنزاف لسوريا. هناك استنزاف للإنسان السوري وصولا إلى السنة 2019 التي صار فيها مشروعا طرحُ سؤال في غاية البساطة: هل من أمل في إعادة تركيب سوريا؟
من الصعب إعادة تركيب البلدان بعد تفكيكها. لعلّ المثل الأكثر وضوحا ودلالة على ذلك ما حلّ بيوغوسلافيا التي ما لبثت أن تقسّمت بعد وفاة جوزيف بروز تيتو وباتت كلّ دولة جديدة فيها تبحث عن مكان خاص بها على الخارطة الأوروبية.
أصبحت يوغوسلافيا رجل المنطقة المريض بعد وفاة تيتو في العام 1980. أخذ احتضار يوغوسلافيا وقتا طويلا وحروبا عدّة ودماء كثيرة قبل أن تتفكّك وتعثر كلّ دولة من الدول الجديدة التي قامت على أنقاضها على صيغة للتعايش في إطار جديد، إطار أوروبا وإطار ما بعد الحرب الباردة.
تحتضر سوريا منذ ثماني سنوات. في الواقع تحتضر منذ العام 1963 تاريخ انقلاب البعث. كانت سوريا الرجل المريض في المنطقة منذ ذلك التاريخ وحتّى في السنوات التي سبقته حين ذهبت إلى وحدة مع مصر كي يحكمها ضابط -مجرم اسمه عبدالحميد السرّاج.
ما يدلّ على الحال المرضية التي تعيشها سوريا دور النظام البعثي في جرّ العرب إلى حرب 1967. ليس معروفا إلى الآن الظروف التي رافقت احتلال إسرائيل للجولان في وقت كان الرجل القوي صلاح جديد، فيما كان العلوي الآخر حافظ الأسد وزير الدفاع.
إذا ربطنا بين كل الإحداث التي توالت بين 1963 و2019، نكتشف أنّه لم يكن من هدف للنظام السوري بقبعاته المختلفة، من البعث المدني، حتّى 1966، ثم البعث العلوي بين 1966 و1970 وصولا إلى تولي حافظ الأسد السلطة واحتكاره لها ثمّ توريث ابنه بشّار، سوى الوصول إلى المرحلة الراهنة.
هذه مرحلة أفرغت فيها سوريا من السوريين الذين في استطاعتهم إعادة بنائها وإعادة الحياة إليها. تبدو الصورة في 2019 صورة مضخّمة لما حصل في 1963. مطلوب بكلّ بساطة القضاء على سوريا وكلّ أمل لدى السوريين بعدما أدّى النظام كلّ الأدوار المطلوبة منه. يكفي عرض لما قام به حافظ الأسد منذ العام 1970 للتأكد من ذلك. يكفي تمسّكه بسياسة اللاحرب واللاسلم للتأكّد من أنّ كلّ هدفه كان يُختزل بتفريغ سوريا من أحسن السوريين. فوق ذلك، هناك مسؤولية كبيرة يتحملها النظم السوري في جعل الفلسطينيين يغرقون في الرمال اللبنانية من أجل تبرير تدخله العسكري في لبنان.
ما هو في مستوى خطورة استخدام الفلسطينيين للقضاء على لبنان إدخال إيران إلى المشرق العربي. وقف النظام السوري مع إيران ضدّ العراق في حرب 1980-1988. عمل كل ما يستطيع من أجل خلق حالة إيرانية في لبنان. إذا به الآن أمام حالة إيرانية في سوريا نفسها.
باختصار شديد، عطّل النظام السوري، الذي أبصر النور في الثامن من آذار 1963 كل الطاقات السورية وجرّ العرب إلى مواقف سلبية بدءا بالوقوف في وجه اتفاق السلام المصري -الإسرائيلي الذي صار عمره 40 عاما. فرض أنور السادات أمرا واقعا لم يكن ممكنا مواجهته عربيا بما يتفق مع تطلعات النظام السوري. الأكيد أن في الإمكان مناقشة كلّ ما قام به السادات. ما قام به كانت له سلبياته أيضا. ما لا يمكن الشكّ فيه في نهاية المطاف أنّه استعاد ثروات مصر التي في الأراضي المصرية المحتلة في حرب 1967، وهي حرب لعب البعث السوري دورا كبيرا في إشعالها. لعب النظام السوري دورا أساسيا في توريط ضابط غبي اسمه جمال عبدالناصر لا يعرف شيئا عن لعبة التوازنات الإقليمية والدولية في حرب الأيّام الستة.
يبقى أن اللغز الذي لا جواب عنه إلى اليوم. لماذا لم يرد النظام السوري استعادة الجولان في يوم من الأيّام؟ قد يكون الجواب أنّ هدفه، في كلّ وقت، كان إيصال سوريا إلى ما وصلت إليه اليوم، أي إلى حكم العائلة التي تتحكم بمصير كلّ سوري والتي من دونها لا وجود لسوريا…