د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):

استعراضات الملالي العسكرية تُظهر الحقيقة المخبّأة: انتفاضة منظمة تلوح في الأفق

لم يعد نظام الملالي يخفي حالة الارتباك التي تجتاح أركانه. فكل استعراضٍ عسكريّ، وكل حملة اعتقالات، وكل خطابٍ ناريّ يصدر من قادته، يفضح حقيقة واحدة: الخوف العميق من الانتفاضة المنظمة التي تتنامى جذوتها في الشارع الإيراني.

لم تعد السلطة تستمد قوتها من أدوات الدولة، بل من وهم القوة الذي تحاول ترميمه عبر عروض الصواريخ، وعمليات القمع، والحملات الدعائية التي لا تنطلي حتى على مؤيديها التقليديين.

الاستعراض العسكري: سلاح العاجز

شهدت إيران في الأشهر الأخيرة موجات من الاستعراضات العسكرية التي تمت فيها تعبئة الحرس الثوري والميليشيات التابعة له في الشوارع، مع عرض صواريخ باليستية وطائرات مسيرة، في مشاهد أراد النظام من خلالها أن يقدّم صورة "الدولة القوية".

لكن الحقيقة هي أن تلك المشاهد لم تكن إلا محاولة للهروب من واقعٍ مأزوم.

ففي الوقت الذي تُنفق فيه الأموال الطائلة على الاستعراضات، يواجه الداخل الإيراني أزمة اقتصادية خانقة، وتراجعًا في قيمة العملة، واتساعًا لرقعة الفقر، حتى باتت شرائح واسعة من المجتمع عاجزة عن تأمين احتياجاتها الأساسية.

القمع الداخلي: خوف لا سياسة

يتعامل نظام الملالي مع أي بوادر احتجاج وكأنها شرارة الثورة الكبرى.

لذلك، أطلق في الآونة الأخيرة حملات قمع واسعة شملت ليس فقط ملاحقة الناشطين والطلاب وإغلاق الفضاء المدني، بل تعدّت ذلك إلى إعدام السجناء السياسيين في مشاهد صادمة، يهدف من خلالها إلى بثّ الرعب وكسر روح المقاومة داخل المجتمع. هذه الإعدامات لم تكن سوى رسالة خوف لا رسالة قوة. كما لجأ إلى نشر قوات الأمن في المدن الكبرى، خصوصًا تلك التي شهدت الحراك الأبرز مثل طهران، وشيراز، وأصفهان، وكرمانشاه؛  إذ يدرك هذا النظام الفاشي أن الأصوات التي يحاول إسكاتها اليوم، قد تصبح شرارة الانتفاضة المنظمة غدًا.

واللافت للنظر هو أن هذا النظام يربط أي حركة احتجاجية – مهما كان حجمها – بما يسميه "مؤامرة أجنبية"، في محاولة لإخفاء حقيقة أن الغضب شعبيّ، داخليّ، عميق الجذور.

هاجس الانتفاضة المنظمة

يدرك الملالي أن أخطر ما يواجهونه ليس الغضب العفوي، بل الانتفاضة المنظمة التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة.

فالتجارب السابقة أثبتت أن الحركات المنظمة، خصوصًا تلك التي تمتلك شبكات دعم في الداخل والخارج، قادرة على تحويل غضب الشارع إلى قوة سياسية ضاغطة تهدد بقاء النظام. ولهذا السبب يصرّ النظام على مهاجمة "المعارضة المنظمة"، المتمثلة في منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، بأقسى لغاته، ويدفع أجهزته الأمنية لملاحقة أي نشاط يُشتبه بأنه مرتبط بها.

أزمة الشرعية: الجدار الذي يتصدع

ما يفاقم أزمة الملالي هو انهيار الشرعية.

فالجيل الشاب لم يعد يرى في النظام مشروعًا وطنيًا، بل منظومة مغلقة لا تنتج إلا الفساد والعزلة الدولية.

وقد عبّر الشباب الإيراني في الانتفاضات الماضية عن انقطاعه الكامل عن خطاب النظام، خصوصًا برفع شعاراتهم التي تجاوزت مطالب الإصلاح إلى المطالبة بتغيير جذري شامل.

الخوف من المستقبل… وليس من الأعداء

في خطابات قادة النظام الفاشي المشار إليه، يتحدثون عن "الأعداء الخارجيين" و"التهديدات العالمية"، لكن واقع الأمر أن خوفهم الحقيقي يأتي من الداخل، من الشعب، من الشارع الذي لم يعد يحتمل، ومن جيل جديد لا يحمل أي تقديس للسلطة.

ولذلك، فإن الاستعراضات العسكرية ليست موجّهة للعالم، بل للشعب، وكأن السلطة تقول له: "نحن هنا، ونحن الأقوى".

لكن الشعوب لا تُهزم بالصور المسرحية ولا بالخطب المتشنجة، بل تُقمع حين تخاف. واليوم، يبدو أن الخوف الحقيقي قد انتقل إلى الضفة الأخرى… إلى أروقة الحكم.

الخاتمة: النهاية تبدأ عندما يفقد التهديد جدواه

إن نظام الملالي، في محاولاته المستميتة لإظهار القوة، يكشف هشاشته أكثر مما يخفيها.

وحين يتحول الاستعراض العسكري إلى أداة لطمأنة السلطة نفسها، وحين يصبح القمع الداخلي بديلاً عن السياسة، فهذا يعني أن النظام يقف على أرض رخوة، وأن الانتفاضة المنظمة التي يخشاها أقرب مما يظن.

فالتاريخ يُعلّم أن الأنظمة التي تحكم بالخوف، تسقط عندما يفقد الخوف قيمته.