ثامر الحجامي يكتب لـ(اليوم الثامن):

العراق: صور أبلغ من الكلام

الرئيس الإيراني في العراق .. تلك الصورة الكبيرة لهذا الإسبوع، فهي جاءت بعد أحداث كبيرة مر بها العراق والمنطقة، أبرزها إنتهاء صفحة الإرهاب، والإنتخابات العراقية التي إنتجت صبغة سياسية جديدة، وتطور المواجهة بين إيران والولايات المتحدة، وإصرار العراق أن لا يكون جزءا منها.

   صورة ملفتة سبقت الزيارة، هي تكريم القائد في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، من المرشد الأعلى السيد الخامنائي، وهي لها مداليل كثيرة، ربما منها إنتهاء دور الجنرال سليماني في المنطقة، بعد إنتهاء الحرب مع داعش، وحاجة إيران الى تحسين وضعها الاقتصادي، مما يعني أن هناك تغيير في طبيعة العلاقة بين العراق وإيران، وهذا التغيير سيكون في صالح العراق من جهة والإصلاحيين من جهة أخرى.

   الرئيس الإيراني يزور الكاظمية المقدسة قبل مراسيم الإستقبال في القصر الرئاسي، حرصا من الرئيس الإيراني على إثبات هويته الإسلامية الشيعية، قبل هويته الرسمية، ولطالما حرص الإيرانيون على التعامل مع شعوب المنطقة وفق البعد الإسلامي العابر للحدود، وتفاعلهم مع الملفات المهمة في المنطقة، سواء في العراق أو سوريا و فلسطين وحتى اليمن، فليس غريبا أن نرى مثل هذا التصرف الحذق من روحاني.

  الإنحناءة أمام العلم العراقي ! لم يفعلها أحد من المسؤولين الذين زاروا العراق، بل إن بعض العراقيين لايدرك المعنى العظيم لعلم دولته، ربما جهلا أو تذمرا، لكن حركات الرئيس الإيراني المدروسة بعمق، جعلت الكثير يدركون أن العراق سيدا لاتابعا ولا خاضعا، ذو سيادة ومنفتح على الجميع دون شروط وإملاءات، وأن المرحلة القادمة ستشهد عراقا جديدا، يكون له الدور الأبرز في المنطقة.

  لعل صورة جلسة المباحثات المشتركة بين الجانب الإيراني برئاسة روحاني، والجانب العراقي برئاسة عبد المهدي هي الأهم، فقد أسفرت هذه المباحثات عن جملة من الإتفاقيات الإقتصادية هي الأكبر في المنطقة، بسبب عدم تفاعل أغلب الدول الاقليمية والمجاورة للعراق مع قضاياه في الفترة الماضية، بل ربما إن بعضها كانت سببا فيما حصل في العراق من مآسي، لذلك جاء موسم الحصاد وجني ثمار الإنتصار الذي تحقق، فصار العراق وإيران يمتلكان أقرب وأوثق العلاقات في المنطقة سياسيا وشعبيا.

    روحاني يجتمع في مقر إقامته، مع زعماء الأحزاب والكتل السياسية" الشيعية " الأبرز في الساحة العراقية كلاً على حدة، بغياب زعيم الكتلة الأكبر، صور متعددة في إطار واحد، كان العلم الإيراني حاضرا فيها، بغياب العلم العراقي – ربما بسبب الأعراف الدبلوماسية – تؤكد الإختلاف في وجهات النظر بين هذه الكتل السياسية، وطبيعة علاقتها مع الجانب الإيراني، وأن كل مكون يمتلك رؤية مختلفة عن غيره.

  روحاني في كربلاء.. طبيعي جدا، فأكثر من ثلاثة ملايين إيراني يزورون كربلاء سنويا، فكيف لا يزورها الوفد الايراني ؟ وما إلغاء مبالغ التأشيرة بين البلدين إلا لتسهيل حركة الزوار، الذي سيعود بالمنفعة على كلا الشعبين ويزيد حركة التبادل التجاري وإنعاش الاسواق العراقية والإيرانية.

الصورة الأبرز.. روحاني في حضرة المرجع السيد السيستاني، أبرز وأقوى شخصية عراقية على الإطلاق في العراق الجديد – رغم إنه لم يحصل على جنسيته الى الان – مرجع الإعتدال والحوار، صاحب الفتوى التي غيرت موازين القوى في المنطقة، وهو أول لقاء يجمع رئيس إيراني بمرجعية النجف الأشرف منذ قيام الجمهورية، ومما لا شك فيه ستكون له تأثيرات إيجابية على وضع الإصلاحيين في الداخل، والوضع الإيراني بصورة عامة وطبيعة العلاقة بين العراق وايران.

الإطار ..

زيارة روحاني تعد تغييرا واضحا في شكل العلاقة بين العراق وإيران، فقد أصبح التعاطي بين دولة ودولة بعد إن كان محصورا على أحزاب ومليشيات مسلحة غابت صورتها أثناء الزيارة.

والعراق لن يكون شريكا للولايات المتحدة في الحصار المفروض على إيران، من أجل الحصول على صفقة القرن والإعتراف بإسرائيل، كما إنه سيكون المنطقة الاقتصادية الأهم في منطقة الشرق الأوسط، بعد إنضمام الأردن ومصر اللتان ستدخلان الساحة العراقية أيضا، فتوثيق العلاقة مع إيران لا يعني أن العراق سيغلق بابه تجاه الدولة الأخرى.

على الحكومة العراقية إستغلال مكانة العراق في المنطقة، لتعزيز علاقاته مع الجميع وفقا للمصالح المتبادلة، المبنية على أساس إحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، فلا نريد للعراق أن تبقى فيه صور الرئيس الايراني فقط، وإنما محطة للجميع وساحة للإلتقاء.