على مدى سنوات طويلة مضت، كان هناك شعور عارم لدى «حزب الله» بأنه يتمتع بقدر من الحصانة والإفلات من الحساب، وكذلك أن لديه مساحة يتحرك فيها دون تحمل مسؤولية سلوكياته العدائية وأفعاله الإرهابية، باستغلال ثغرة موقف القوى الكبرى المتردد أمام تحميله مسؤولية أفعاله كحزب أقرب إلى الجماعات الإرهابية من الأحزاب السياسية، والعائد إلى طبيعة وضعه غير المسبوق داخل النظام السياسي في بلاده، لكن حدود مواجهة «حزب الله» لم تتحمل ثقل الأدلة التي تشير إلى أنشطة الحزب الإجرامية في لبنان وخارجه، فبدأت الدول الأوروبية شيئاً فشيئاً في تصنيفه حزباً إرهابياً بعد أن كانت الولايات المتحدة فعلتها منذ زمن طويل، ثم سقطت أخيراً ذريعة «الوضع السياسي» وطبيعة مشاركته في الحكومة اللبنانية، وأصبح الحزب في مواجهة مكشوفة مع العالم، ولم يعد ممكناً مواصلة خداع العالم بأنه مكون سياسي لا يمكن للمعادلة السياسية اللبنانية المضي من دونه.
يتمتع «حزب الله» بثقل لا يمكن إنكاره على الساحة السياسية في لبنان، فالجماعة الشيعية التنظيم الوحيد في لبنان الذي لم يسلم سلاحه بعد انتهاء الحرب الأهلية، إلا أن هذا الثقل لا يستقيه من دعم شعبي داخلي، وإنما من دعم إيراني كبير أتاح له الحصول على قوة عسكرية ضخمة استخدمها سواء لترهيب خصومه من الأحزاب والتيارات السياسية في لبنان، أو أيضاً لتقديم دعم ميداني كبير للنظام في سوريا، وهي في الحالتين ليست مهمة جماعة سياسية في أي دولة في العالم، لذلك يقف لبنان اليوم أمام مصير كان قادماً لا محالة في مواجهة دولية حقيقية لـ«حزب الله»، طمعاً في عودة لبنان كدولة طبيعية، هذا السيناريو لم يكن ممكناً أن يأتي من الداخل، فأصبح الخيار المحتوم أن تصاعد الضغوط يأتي من الخارج، حيث لم يعد ممكناً الجمع بين ثنائية الحزب ذي القوة العسكرية والأعمال غير القانونية والشريك داخل الحكومة، لذا كانت النتيجة استمرار كرة الثلج التي تتدحرج ضد الحزب قادمة من خارج الحدود، فعلى سبيل المثال أول من أمس ومن قلب بيروت، رفعت واشنطن من جديد وتيرة تصعيدها ضد الحزب على لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو الذي اعتبر أن الحزب «يسرق موارد الدولة اللبنانية التي هي ملك الشعب»، داعياً اللبنانيين للوقوف في مواجهة الحزب، متهماً إياه بالإجرام والإرهاب.
تصل نسبة الدين العام في لبنان إلى 141 في المائة من إجمالي الناتج المحلي وهي من أعلى النسب في العالم. وفي يناير (كانون الثاني) خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني تصنيف لبنان، مشيرة إلى «المخاوف من ارتفاع كبير في الدين»، وربما الاقتصاد اللبناني، الذي يعاني كثيراً من الوضع السياسي، قادم على وضع أكثر سوءاً في ظل إحجام القوى الكبرى عن دعمه أو مساعدته في ظل هيمنة «حزب الله» على الدولة، فإذا لم يستطع أحد مواجهة الحزب من الداخل، فإن المواجهة الخارجية غدت هي الخيار الوحيد المتاح للحفاظ ليس فقط على استقرار لبنان وحده، وإنما استقرار المنطقة والعالم أيضاً.
الخطر الحقيقي يمكن اعتباره في الإحجام عن مواجهة «حزب الله»، فلم يعد الحزب، كما يردد اللبنانيون أنفسهم، دولة قائمة ضمن الدولة اللبنانية، وإنما بلغ الأمر ما هو أسوأ، حيث يسير لبنان ليكون دولة صغيرة قائمة ضمن دولة «حزب الله»، غير أن الشواهد تذهب إلى أن هذه المعادلة المغلوطة التي استمرت عقوداً لم يعد لها أن تمضي إلى ما لا نهاية، ومواجهة «حزب الله» أصبحت ضرورة لا يمكن التقاعس عنها.
الشرق الأوسط