الحبيب الأسود يكتب:
الاعتدال العربي له أنياب ومخالب
من قال إن الاعتدال العربي ينمّ عن ضعف أو عن عجز؟ ومن قال إنه لا يمتلك أنيابا ومخالب؟
تأتي القمة العربية الثلاثون التي ستحتضنها تونس في ظل أوضاع إقليمية ودولية متشعبة، فعالم اليوم لا يعترف إلا بالقوة ولا يتعامل إلا مع المصالح، ولا يحترم إلا لغة العزم والحزم، والعرب لديهم كل المقدرات التي يمكن أن تجعل منهم الرقم الصعب والقوة الضاربة، ولكن بسياسات معتدلة ومتوازنة وعقلانية.
إن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بضم إسرائيل للجولان العربي السوري بعد اعترافه سابقا بالقدس عاصمة لإسرائيل، لا ينمّ إلا عن عجرفة القوة وتحدي القانون الدولي، وتقديم الحسابات الانتخابية والمصالح السياسية الداخلية، على قيم الحق والعدل والشرعية. فترامب اليوم يقدم بقراره الأخير هدية لبنيامين نتنياهو قبل الانتخابات الإسرائيلية بأسبوعين، على أن يرد له اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة هذا الصنيع في سباق العام القادم من أجل ضمان عهدة ثانية بالبيت الأبيض.
ولكن العرب لا يواجهون عجرفة ترامب فقط، فهناك الأطماع الإمبراطورية الفارسية التي تهدد الأمن القومي وتستهدف منطقة الخليج، وتحتل جزر الإمارات الثلاث، وتعلن سيطرتها على أربع عواصم عربية، ويصل أذاها إلى كافة الدول العربية عبر الاستقطاب والتجنيد ونشر الأفكار المذهبية واللعب على أوتار الأقليات. وهناك الأطماع الإمبراطورية العثمانية التي تسعى إلى اختراق الدول والمجتمعات من خلال مشروع إخواني ينظر إلى رجب طيب أردوغان على أنه خليفة المسلمين، ويتحالف معه في التآمر على الدول العربية، مستعينا بالعرّاب القطري الذي يحاول اللعب على كل الحبال، ولا يرى مانعا من ركوب موجات إسرائيل وإيران وتركيا وكل من يعادي العرب، فقط ليشق الصف العربي، وليبحث لنفسه عن دور يتجاوز حجمه وموقعه وإمكانياته.
لقد شهدت المنطقة العربية خلال السنوات الماضية، أكبر مؤامرة حيكت في الزوايا المظلمة، وتم تنفيذها بأدوات داخلية وتحريض ودعم خارجيين، فكان ما كان من تدمير الدول وإسقاط الأنظمة وتخريب المجتمعات وضرب مقدرات الشعوب ونشر الإرهاب، وتحويل الجماعات المتشددة إلى لاعب رئيس في سياسات بلدانها. وكان يمكن لهذا الخراب أن يتسع وفق أجندات صانعيه وداعميه، لولا الاستفاقة العربية انطلاقا من قرار دخول درع الجزيرة إلى البحرين للتصدي لمحاولات بث الفوضى داخلها من قبل الميليشيات الطائفية المتحركة بإذن ملالي طهران، ثم من مصر التي ثار شعبها في 30 يونيو 2013 ضد حكم الإخوان، ثم من خلال تشكيل التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لمواجهة ميليشيات إيران الطائفية في اليمن في مارس 2015، وإطلاق الجيش الليبي معركة الكرامة في مايو 2014 لمواجهة الجماعات الإرهابية التي كانت تسعى إلى تحويل ليبيا إلى بيت مال الإخوان ومركز تجمع الإرهابيين للسيطرة على شمال أفريقيا، وعلى دول الساحل والصحراء.
ويكفي أن يكون على رأس دول الاعتدال، السعودية بقوتها ومقدراتها ومكانتها الحضارية والروحية والجغرافية والاقتصادية، ومصر بإمكانياتها البشرية والتاريخية والعسكرية والثقافية، والإمارات بقدراتها الاقتصادية والثقافية ورؤيتها الاستراتيجية وموقعها الدولي الفاعل على جميع الأصعدة، وبقية الدول المنخرطة في صف التحالف ضد الإرهاب، والتي نجحت في التصدي لأكبر مؤامرة كان يمكن أن تؤدي بكامل المنطقة إلى الخراب والانهيار الشامل.
واليوم ليس أمام العرب إلا الاعتدال منهجا، والوسطية مركزا، والعقلانية عقيدة، ليتحقق بينهم التعاون والتضامن والتكامل، وهو ما يجب أن تؤكد عليه قمة تونس. أما من خرج عن الصف فله أن يواجه العزلة، وأن يعلن تبعيته لمحور الخراب الإقليمي، سواء كانت تقف وراءه تركيا أو إيران أو تحركه قطر، أو تحركه مخابرات الغرب ومنظماته المشبوهة ووسائل إعلامه المأجورة.
إن الاعتدال العربي لديه من الأنياب والمخالب ما يجعله قادرا على حماية نفسه، ثم حماية المنطقة العربية والأمن القومي العربي، وقد أثبت قدرة فائقة على التعامل مع مختلف التحولات، وإن كان ذلك بالكثير من التضحيات، ولكنها تضحيات المدافع عن القيم الوطنية والعربية وعن سيادة الدول ووحدة الشعوب والمجتمعات، وعن مبادئ السلام والشرعية، في حين أن أعداء هذا التحالف ما انفكوا يتساقطون في بؤر الخيبة والفشل رغم كل ما قدموه ودفعوه وخططوا له في سبيل نشر الفتنة وبث الفوضى.