الحبيب الأسود يكتب:

إيلون ماسك وداود حسين في مقارنة غير مألوفة

في العام 2002، حصل إيلون ماسك القادم من جنوب أفريقيا على الجنسية الأميركية، ليصبح صاحب القرار الرئيس في مجال الذكاء الاصطناعي، وأكبر أثرياء العالم على الإطلاق. في 2024، دخل على خط التأثير السياسي المباشر بإعلانه الوقوف إلى جانب المترشح الرئاسي دونالد ترامب، وهو ما ساعده على تحقيق انتصار ساحق على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس. بعد أن يتسلم ترامب مقاليد الرئاسة في يناير القادم، سيصبح ماسك وزيرًا للكفاءة الحكومية، وهو منصب تم ابتكاره خصيصًا ليليق بمواهبه وقدراته، وكذلك ليكون رسالة شكر وتقدير تصله من الرئيس المنتخب على جهوده التي بذلها.

خلال الحملة الانتخابية، أعلن ماسك عن توزيع جوائز بقيمة مليون دولار يوميًا، حيث كان الناخبون في الولايات المتأرجحة يدخلون في سحب كل يوم قبل الانتخابات الرئاسية مقابل التوقيع على عريضة. في 28 أكتوبر، أقام المدعي العام لمنطقة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا، لاري كراسنر، وهو ديمقراطي، دعوى قضائية ضد ماسك ولجنة العمل السياسي التابعة له في محكمة الولاية لمحاولة منع المسابقة، ووصف هذه المسابقات بأنها عملية احتيال تنتهك قانون الانتخابات بالولاية، وطالب بوقفها. لكنه عاد وأسقط الدعوى.

يمتلك ماسك إلى جانب الجنسية الأميركية جنسيتي جنوب أفريقيا وكندا، ولم نسمع أن هناك من الديمقراطيين الذين ساهم في خسارتهم الفادحة، من قال أعيدوه إلى بريتوريا التي ولد وترعرع فيها، أو إلى مدينة كينغستون الواقعة في شرق مقاطعة أونتاريو الكندية حيث زاول دراسته الجامعية. لم نسمع من يرفع صوته عاليًا: أخرجوا ماسك من بلادنا جنة الفرص وحاضنة المواهب التي جعلت منه أهم مهندس ومستثمر ومخترع على مستوى العالم: مؤسس شركة سبيس إكس ورئيسها التنفيذي، والمصمم الأول فيها. المؤسس المساعد لمصانع تيسلا موتورز ومديرها التنفيذي والمهندس المنتج فيها، المشارك في تأسيس شركة التداول النقدي الشهيرة باي بال، ورئيس مجلس إدارة شركة سولار سيتي الساعي إلى تجسيد فكرة نظام النقل فائق السرعة المسمى بالهايبرلوب، الحالم بتوطين البشر في المريخ، وصاحب الثروة التي تتجاوز 330 مليار دولار.

هناك دول تتصارع من أجل توطين المواهب والقوى الناعمة في كافة المجالات وهناك من ينظر إليها كأرقام في سجلات الحكومة لا تستحق شرف حمل الجنسية أو الحصول على جواز سفر

في إطار موازٍ، هناك صورة للفنان داود حسين الذي لم يعد بالإمكان نسبته إلى الكويت بعد أن سحبت منه جنسيتها اعتقادًا من البعض بأنه تم الدفع به إلى العراء مثله مثل المطربة نوال التي كانت تحمل لقب الكويتية ويبدو أن الوقت حان لتسحب نفسها من تلك التسمية حتى لا تحاكم بتهمة التزوير في وثائق رسمية.

المعروف عن داود حسين أنه من مواليد 5 نوفمبر 1958 في الكويت لأسرة مدرجة في فئة البدون، ولا علاقة له بالجذور الباكستانية التي ينسب إليها. بدأ حياته الفنية في وقت مبكر من خلال نشاطه في المسرح المدرسي قبل أن ينطلق إلى الاحتراف بمشاركته في مسرحية “وصية المرحوم” عام 1974، ومنذ ثمانينات القرن الماضي استطاع أن يثبت جدارته في مجال الفن، وقدم العديد من الأعمال الدرامية والمسرحية التي رسخت اسمه في أذهان الجمهور، ومن ذلك البرامج الكوميدية مثل “فضائيات”، و”قرقيعان”، و”خالي وصل” وفوازير “داود في هوليوود”، والمسرحيات الكويتية الشهيرة مثل “باي باي لندن” و”انتخبوا أمّ علي”.

ومثل جميع “البدون” لم يكن باستطاعة داود حسين الحصول على أوراق ثبوتية كويتية، فاتجه للبحث عنها في دولة أخرى، واضطر لأن يبحث عن جواز سفر يتيح له حرية التنقل من الناحية التقنية والقانونية فكان أن حصل على جواز السفر البوليفي رغم أن جواز سفره الحقيقي هو اسمه ونجوميته ومنجزه الفني الثري. في أكتوبر 2001، وبناء على قرار من أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، حصل داود حسين على الجنسية الكويتية تقديرًا لعطائه الفني وإسهاماته الكبيرة في إثراء المشهد الفني الكويتي. لكن القرار الصادر قبل أيام بأثر رجعي أطاح بقرار أميري سابق، وأكد أن المسألة مرتبطة بعقيدة الدولة العميقة في التعامل مع فئة من المفترض أنها كويتية الأصل والانتماء.

وبحسب تقارير عدة، فإن هناك 34 ألفًا من البدون قد يستوفون شروط الحصول على الجنسية، إلا أن الغالبية الكبرى تتهم بكونها مهاجرة من دول مجاورة، مثل السعودية والعراق، أو يعتبرون أحفادًا لمهاجرين استقروا في الكويت بعد اكتشاف النفط. وهو ما يعني أن الكويت دولة قبائل وليست دولة شعب، وبالتالي فإن من لا ينتمي إلى القبائل والأسر العريقة ليس من حقه الحصول على هوية البلاد حتى ولو كان جده الرابع أو الخامس مولودًا داخلها، ولكن المسألة مرتبطة بضرورة الحفاظ على وهم النقاء العرقي الذي يستعمل غطاء للتفرقة العنصرية المرتبطة في أبعادها النفسية والاجتماعية باحتقار الآخر واعتباره خطرًا على المجتمع طالما أنه يمكن أن يكون شريكًا في امتيازات الانتماء بما في ذلك نيل نصيبه من الثروة.

وعندما تنظم الحكومة حملة واسعة لمعالجة ما وصفته بـ”حالات الجنسية المزورة والمزدوجة”، وتتضمن الإجراءات الجديدة مراجعة جميع حالات اكتساب الجنسية الكويتية بالتبعية بعد إجراء تعديلات قانونية أقرت في سبتمبر الماضي، وألغت بعض تلك الحالات، فتبرر ذلك بالعمل على تعزيز الاستقرار الوطني وحماية النسيج الاجتماعي، مع التشديد على منع ازدواجية الجنسية التي يحظرها القانون الكويتي، انطلاقًا من أن هذه الخطوات تأتي ضمن جهود إصلاح قانون الجنسية وإعادة تنظيمه لضمان عدم استغلاله بشكل غير مشروع، مع الحفاظ على الهوية الوطنية للبلاد.

قبل ذلك، وفي يوليو الماضي، أعلنت وزارة الداخلية الكويتية وقف جواز سفر رقم (17) “الخاص بالمقيمين بصورة غير قانونية” أي “البدون” باستثناء الحالات الإنسانية مثل العلاج والدراسة، وهو ما أكدت الحكومة أنه يأتي في إطار وضع الأمر قيد المزيد من “الدراسة والتدقيق”، وهو في الواقع جزء مما أسماه الكاتب الصحافي الكبير أحمد الجارالله على صفحات “السياسة” بـ”لحظة غليان الدم العنصري في عروق البعض” عندما “يتناسى هؤلاء أن كل الكويتيين نزحوا من الدول المجاورة واستوطنوا هذه الأرض، وبالتالي فإن أيّ محاولة لفرض رؤية مشوهة عن نقاء عرقي إنما هي دعوة عنصرية قائمة على الخوف من ذهاب امتيازات مالية وخدماتية يتمتع بها المواطن.”

ماسك يمتلك إلى جانب الجنسية الأميركية جنسيتي جنوب أفريقيا وكندا، ولم نسمع أن هناك من الديمقراطيين الذين ساهم في خسارتهم الفادحة، من قال أعيدوه إلى بريتوريا التي ولد وترعرع فيها

يضيف الجارالله “المؤسف، أن تبقى هذه القضية تشغل الكويت، ولا يوجد هناك مبادر لحل جذري ينهي مأساة يومية تعيشها فئة من البشر حرمت من أبسط الحقوق الإنسانية في بلد الإنسانية الذي من الواجب أن يترجم هذا الشعار فعلًا، لا أن يُضيّق عليها، أو ينساق خلف قلة عنصرية تصنف البشر وفق عقدها النفسية.” ويتابع مخاطبًا أبناء شعبه “يا سادة لسنا مخلوقات من الجنة، ولا نحن مميزون عن غيرنا، وإذا كان المطلوب أن نسهم في حركة التطور العالمي، علينا أن نعمل بالاتفاقات الدولية الموقعة عليها الكويت، خصوصًا العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي ينص على أن تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد، إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلاً إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، بأن تتخذ، طبقًا لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد، ما يكون ضروريًا لهذا الإعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية.”

عندما نتحدث عن قرار الكويت بسحب الجنسية عن فنانين بارزين مثل داود حسين أو نوال العربية، فعلينا أن ننظر قليلاً إلى ما يدور في المنطقة. فالسعودية تمنح الجنسية للممثل المصري محمد هنيدي، والمطرب العراقي ماجد المهندس، والإعلامي عمرو أديب، والموسيقار هاني فرحات، والموزع الموسيقي وليد فايد، والممثل محمد القس وغيرهم. كما أن دولة الإمارات اعتمدت تعديلات من شأنها أن تسمح للدولة الخليجية بمنح جنسيتها للمستثمرين وغيرهم من المهنيين مثل العلماء والأطباء والمهندسين والفنانين والمثقفين وعائلاتهم. ومنحت بالفعل الجنسية لشخصيات عربية وأجنبية مؤثرة، وهي تنظر إلى ذلك من خلال رؤية ثاقبة تخدم مصلحة الدولة في سياق الصراع العالمي على استقطاب المواهب والكفاءات، وفي إطار الاعتراف بجميل كل من ساهم في خدمتها أو أثبت جدارته بالانتماء إليها.

لو سعى داود حسين للحصول على جنسية أجنبية كالبريطانية أو الكندية أو الفرنسية أو التركية أو حتى الأميركية، لحصل عليها باعتماد برنامج الإقامة المتقطعة والاستثمار وتربية الأبناء على أراضيها، ولكانت موهبته وتجربته وقدراته التأثيرية فتحت أمامه أبواب الحصول على امتيازات الانتماء إلى تلك الدول. بل إن فنانًا مثله قادر بسهولة على أن يحمل جنسية أيّ بلد خليجي آخر في ظل حالة الانفتاح الثقافي والحضاري الكبير الذي تعرفه المنطقة.

لا تستقيم المقارنة بين وضعيتي إيلون ماسك وداود حسين، لأنه من غير الممكن المقارنة بين كوكبين مختلفين، لكل منهما قانونه وشريعته وثقافته وخصوصياته الاجتماعية ونظرته للحياة والمجتمع، وأسلوبه في تقييم البشر. هناك دول تتصارع من أجل توطين المواهب والكفاءات والقوى الناعمة المؤثرة في كافة المجالات، وهناك من ينظر إليها فقط كأرقام في سجلات الحكومة لا تستحق شرف حمل الجنسية أو الحصول على جواز سفر كبقية خلق الله.