الحبيب الأسود يكتب:
جاء العيد وتراجع الحب
لم يعد خافيا أن مشاعر الحب تراجعت كثيرا خلال السنوات الماضية، وأن زمن الوردة والكتاب والأغنية والشموع وليالي السهر وعذابات الأشواق قد تضاءلت بسبب التحولات التي تشهدها مجتمعاتنا في ظل الثورة الاتصالية والإيقاع السريع للحياة وكثرة الانشغال بقضايا وجودية لشباب يبدو في أغلبه فاقدا للأمان ومرتبكا في خياراته وقراراته.
والأهم أن المفردات الرومنسية قد غابت بشكل يكاد يكون نهائيا تحت وطأة الاستهلاك، كما أن حالة الشوق إلى العلاقة العاطفية لم تعد أولوية في ظل ارتفاع منسوب العلاقات العابرة والترفيهية على أرصفة الحياتين الواقعية والافتراضية، وكأن الحب الحقيقي كان رديف الحياء والبساطة والبراءة والشاعرية والحرمان العاطفي، وكان يحتاج إلى ظروف خاصة تمنع العاشقين من الوصال وتفرض عليهم القفز على الحواجز من الوصول إلى لحظة العناق المشتهى.
هناك كذلك ظاهرة مهمة بدأت تتشكل في المجتمعات الغربية وتتمثل في رفض الفتيات للحب خشية أن يصبح قفصا وقيدا لهنّ في ظل واقع اقتصادي لا يرحم من يغادر دائرة المنافسة في سوق الإنتاج ليلاحق هيام قلبه ونداء مشاعره.
في عالمنا العربي يمكننا أن نستشف من قصائدنا وأغانينا وأفلامنا ومسلسلاتنا وقصصنا وملفات محاكمنا أن الحب قد ينهي حياة صاحبه إذا تحول إلى نقطة ضعف بالنسبة إليه، وقد يؤدي إلى مآس عائلية حقيقية.
في بعض الحالات يمكن للحب أن يكون عامل قوة وتحدّ لصاحبه ولكنها حالات استثنائية يمثلها أفراد استثنائيون.
عدد من الخبراء والباحثين يرون مثلا أن تراجع الحب الرومانسي في أميركا بدأ في أواخر التسعينات، وفي العام 1995 قال رجل الأعمال الشهير غريغ هايمويتز إنه “إذا لم يمت الحب في أميركا، فهو مريض”، معتبرا أن إظهار أيّ عاطفة شديدة في هذا البلد يعتبر أمرا غير لطيف.
هو يعبر بذلك عن تحول كامل في نظرة جزء مهم من المجتمعات إلى دور الحب وحتى إلى قيمته ومعناه في الحياة. وأضاف هايمويتز أن الحب، إلى جانب المشاعر الشديدة الأخرى مثل الحزن والغيرة، كان يتعارض مع نوع الانفصال الشخصي الذي كان في صالح الأميركيين، وخاصة الشباب.
كانت جميع المشاعر القوية تتعارض مع أهداف المجتمع، وهي نتيجة ثانوية لوضع الحساسيات الواسعة التي تسارعت في أوائل السبعينات، ويرجع ذلك جزئيا إلى الحركة النسوية، وفق تقديره، كذلك أثبتت الأرقام حقيقة أن كلا من الشبان والفتيات لديهم آراء انتقادية عن الحب.
أظهر استطلاع وطني شمل أناسا تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما من قبل مركز بيو للأبحاث أن ما يقرب من 60 في المئة من المستجوبين لم يكونوا في ذلك الوقت في علاقات ملزمة وأن معظمهم لم يكونوا مهتمين بالالتزام نحو أيّ شخص. ويطلق على الشركاء في العلاقات الجادة اسم “متزوجون” بازدراء على الرغم من بقائهم عازبين ، وهو مؤشر آخر على ازدرائهم للحب.
تحل الأربعاء القادم ذكرى عيد الحب التي يمكن وصفها بأنها جزء أصيل من عادات المجتمعات الاستهلاكية في كل مناطق العالم ، وبأنها مهرجان تجاري كبير يتسابق فيه العشاق على محلات الهدايا والمطاعم ونوادي السهر بحسب الإمكانيات المادية لكل عاشق، لكن الثابت أن الحب قد تراجع فعلا، وقد يكون العيد مناسبة لتكريم الأجيال السابقة التي عرفت الحب في عصره الذهبي زمن الرسائل المعطرة والمناديل الوردية والهاتف المنزلي وأغاني عبدالحليم وأم كلثوم.