هاني مسهور يكتب:
عدن .. تاج العرب
كلما مرت ذكرى عاصفة الحزم، وكلما دارت الأيام، كلما ازددنا افتخاراً بما تحقق على أسوار عدن، فثمة شعور يتملكنا أن مشروع الهيمنة الإيرانية الذي أسقط عواصم العرب من بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء انكسر بل تحطم على أسوار مدينة عدن، فالتاريخ السياسي لن يستطيع أن يتجاوز كتابة الملحمة العربية في تراب هذه المدينة عندما شارك أبناء الجنوب إخوانهم أسود السعودية والإمارات لتحطيم الحلم الإيراني ويضعوا حداً لأطماع إيران التوسعية في البلاد العربية. منذ أواخر فبراير 2015 بدأ الحوثيون غزوهم لمدينة عدن لإخضاعها واخضاع باب المندب للنفوذ الإيراني، بقليل من سلاح وجد أبناء عدن أنفسهم في معركة غير متكافئة، كانت اللجان الشعبية تذود عن تراكمات الأزمنة الماضية بكل ما فيها من ظلم تعاقب على عدن والجنوب، لم يدرك أولئك الغزاة القادمون من كهوف صعدة أنهم استفزوا كل خلايا الجسد الجنوبي من المهرة شرقاً وحتى عدن غرباً، فلم يكن الغزو الأول في 1994م إلا بداية مظالم لم تنتهِ والغزاة الحوثيون يحاولون إخضاع ما تبقى من كرامة الجنوب. استدعى الجنوب كافة ما يمتلك من القليل المتاح وبدأت تتخلق المقاومة الجنوبية بتشكيلات فردية فالحرب فرضت على الجنوب كما فرضت على العرب، وبلغت القلوب الحناجر فلقد جاؤوا للجنوب من أسفله وسمائه، كانوا يخرجون من كل أطراف عدن وكان على الجنوبيين أن يدافعوا عن بلادهم لا خيارات أخرى، وهناك في الرياض كان الأمير محمد بن سلمان يبلغ نجل الرئيس صالح عنوان المرحلة (عدن خط أحمر) وكان السعوديون يحشدون في قصر العوجا ويصنعون قرارهم فإن سقطت عدن سقط ما تبقى من أسوار العرب. في السادس والعشرين من مارس 2015م تعلن السعودية إطلاق عاصفة الحزم، صقور السعودية والإمارات يحلقون في سماء عدن، تشرأب أعناق الجنوبيين فهذا هو الوقت المنتظر، الساعة صفر بتوقيت عدن، بل الساعة صفر بتوقيت كل الجنوب، لم تكن عاصفة الحزم إلا اختباراً لكل ما مر على عدن فمن الضعف ولدت القوة، ومن الخوف ولد الكبرياء. الزاحفون إلى ميادين عدن والمكلا على مدار سنوات الحراك الجنوبي المطالب بحقه في وطنه، هم الذين كانوا بدون اعتبارات في أعين سلطة صنعاء، وهم الذين زورت إرادتهم في مخرجات حوار صنعاء، فمئات الآلاف التي لطالما زحفوا رجالاً ونساءً شيوخاً وأطفالاً يناشدون الأشقاء العرب منحهم حريتهم كان عليهم أن يدافعوا عن آخر قلاع العرب بعد أن سقطت العواصم ولحقتها المدن العربية تهتف بروح إيران ومشاريعها الطائفية. هنا عدن .. هنا معركة كل شيء، معركة العقود اليمانية الغادرة، معركة النهوض من تحت الركام، معركة العرب الأخيرة على أسوارها، لا يوجد في عدن غير تلك المتناقضات التي اجتمعت حتى لم تجد تلك العجوز غير بقرتها لتبيعها وتشتري بندقية، تلك القصة كالآلاف من القصص المحكية والمروية عن الذين نفروا خفافاً وثقالاً من كل مكان إلى عدن فلقد كانت معركة الطلقة الأولى من البندقية الأولى إلى صدر الغازين والغادرين. في الغزو الأول كانوا قد كفروا الجنوب فلقد كان الجنوب ماركسياً مُلحداً، وفي الغزو الثاني أعتبروا الجنوب داعشياً متطرفاً، بتلك العيون وتلك القلوب ينظرون للجنوب حتى وإن تغاضى العرب من خليجهم لمحيطهم عن تلك الحقيقة، لذلك لم يكن الجنوبيون وهم يقاتلون تحت عاصفة الحزم مكترثين بغير الموت كرامة على أسوار مدينتهم، فلا معنى تبقى لهم غير أن يموتوا بكرامة وينتصروا بشرف فللمعركة فصولها وأيامها وكذلك أحكامها. صقور السعودية والإمارات في سماء عدن، وعلى أرضها تنزل ثلة من ضباط الإمارات فالمعركة تقترب، المقاومة الجنوبية تضيق الخناق على مطار عدن، كتيبة إماراتية تأتي من الساحل الأزرق لصوب المطار، ساعة صفر يتحول المطار لكتلة من الجمر .. كتلة من النار، الحوثيون يحترقون ثم هم ينهزمون، في الأثناء تزحف المقاومة الجنوبية إلى أحياء المُعلا وكريتر والمنصورة والشيخ عثمان والبريقة والتواهي ودار سعد وخور مكسر، يزحف المقاومون كما زحفوا سنوات إلى ميادين عدن، يعرفون أحياءها وحافاتها كما يعرفون كل تفاصيلها، كانت أيام للعرب يصنعها العدني والأبيني والشبواني والحضرمي واليافعي والمهري كرامة لوجه سلمان ولوجه محمد بن زايد ولوجه كل عربي آمن بأن لمروع إيران أن يكسر على تراب هذه .. الـ(عدن). تحرير عدن يقابله قطع الذراع الإيراني الخبيثة، لذلك عدن تاج العرب المرصع بالفخر، في عدن تتسابق الأمهات والزوجات والبنات على رفع صور الشهداء، في عدن دون غيرها ينظرون إلى عاصفة الحزم وهم ينظرون للسماء، في عدن يحتفظون ببقايا صواريخ الكاتيوشا والهاون ليجعلوها تذكاراً لأجيال ستأتي وستسمع من العدنيين تفاصيل المعركة وينظرون إلى بقايا الغزاة الذين مرغت أنوفهم بتراب عدن.