أحمد عبد المنعم يوسف يكتب:
نموذج العمل الإنساني الإماراتي في سقطرى
لا نبالغ إذ نقول إن لدولة الإمارات العربية المتحدة بصمات وأدوارا مهمة في مجال العمل الإنساني الذي أصبح يشكل فلسفة وممارسة فعلية قائمة على معايير عالمية، حتى اتسعت الرقعة الجغرافية للمساعدات الإماراتية في كل أنحاء العالم. وقد أصبح العمل الإنساني ثقافة ذائعة الانتشار في أوساط المجتمع الإماراتي بكل فئاته، ضمن نهج أبرز صورة الإمارات في المحافل الإقليمية والدولية بوصفها من أكبر الدول المانحة في العالم، حتى أنها أصبحت تتصدر التقارير الدولية في حجم المساعدات الإنسانية والإغاثية والتنموية التي تقدمها، من خلال الحشد الفوري وتعبئة كافة الجهود للتدخل الإنساني السريع في الكوارث الطبيعية والأزمات الإنسانية والصراعات، أو عن طريق المساعدات الثابتة والمنهجية التي تقدمها بصورة دورية، لدعم مشاريع وبرامج تنموية تغطي مختلف القطاعات الحيوية في عدد كبير من دول العالم التي تحتاج إلى دعم إغاثي.
وهنا يأخذنا الحديث عن دور الإمارات في جزيرة سقطرى اليمنية التي تربطها بالإمارات وشائج القرابة والدم. فاليمنيون بشكل عام هم أبناء عمومة الإماراتيين وتجمعهم صلة الرحم وأواصر المحبة والعروبة والإسلام، ولهذا فقد شهدت السنوات الماضية دعما سخيا وعطاء غير محدود من قبل الإمارات لإخوانهم وأبناء عمومتهم في اليمن الشقيق بكل محافظاته ومدنه العريقة التي طالتها الأزمات وتحلقت بها من كلّ جانب.
ولم يقف أبناء الإمارات موقف المتفرج على الأزمة اليمنية، بل كانوا سندا ومعينا لهم مقدمين أرواحهم أولا حماية للإخوة الأشقاء وليكونوا درعا واقيا لهم يدفع عنهم كل مكروه يصيبهم. وقد عملت الإمارات بكل مقوماتها المادية والمعنوية على إعادة الأمن والاستقرار لليمن وإعادة بناء وإعمار ما دمرته الحرب، لكي يعود اليمن إلى سابق مجده وعزته، وهذا كله نابع من رؤية إماراتية قائمة على نجدة الشقيق والصديق، القريب والبعيد، بعيدا عن أي حسابات سياسية، ودون أي شكل من أشكال التمييز العرقي أو الديني أو الطائفي أو الثقافي، وهذه الرؤية تعد جزءا متأصلا في الهوية الثقافية العربية والإسلامية لدولة الإمارات.
ولأن الإمارات ترعى الطبيعة وتحافظ على حمايتها من عبث الإنسان فقد أولت اهتماما بالغا بجزيرة سقطرى التي تحوي العديد من الحيوانات والنباتات النادرة، فسقطرى بها أشجار نادرة الوجود مثل شجرة دم الأخوين التي تنفرد بها الجزيرة ولا تكاد تجدها في مكان آخر. وقد تعرضت هذه الجزيرة إلى رياح وأعاصير متتالية دمرت أجزاء كبيرة من بنيتها التحتية من المدارس وشبكات الكهرباء وغيرها، ومن ثمّ فقد سارعت الإمارات لنجدتها وإغاثتها مما هي عليه وقدمت لأبناء سقطرى كافة أوجه الدعم المادي والمعنوي.
وهذه هي مؤسسات الإمارات العاملة والراعية للعمل الإنساني متمثلة في مؤسسة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية ومؤسسة الهلال الأحمر الإماراتي اللتين قدمتا ما يمكن أن يقدم لليمن عموما ولسقطرى على وجه التحديد، فمؤسسة خليفة لم تترك جزيرة سقطرى في مهب الرياح فسارعت إلى تقديم المعونات الغذائية والصحية لأبناء سقطرى، وعملت على تقديم نموذج فريد من العمل الإنساني المتميز في شتى مناحي الحياة، من بينها الأبنية التعليمية التي شيدتها الإمارات لأبناء سقطرى لتزيد لديهم الوعي وتنمي لديهم الثقافة ولتحافظ على هويتهم العربية، إضافة إلى مستشفى الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في سقطرى الذي لعب دورا هاما في علاج أبناء سقطرى وتوفير العلاج والخدمات الصحية لهم، والذي افتتح به أقسام جديدة ساعدت على تلبية كافة متطلبات سكان الجزيرة.
كان نموذج العمل الإنساني الإماراتي في سقطرى نموذجا مشرفا لها وللدور العربي بشكل عام في مد يد العون والمساعدة للجيران الأشقاء والحفاظ على الطبيعة وحمايتها من عبث العابثين، وكذلك حماية التراث العربي والإسلامي. فقد حملت الإمارات على عاتقها التزاما جادا يحتم عليها حماية الطبيعة والتراث ونشر السلام والأمن والاستقرار في المنطقة العربية بأسرها، واليمن ما هو إلا نموذج من نماذج العمل الإنساني الإماراتي الذي لم يتوقف منذ عهد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله الذي ترك ميراثا كبيرا من الأعمال الخيرية والإنسانية، وتبعه أبناؤه الذين لم يدخروا جهدا نحو تعزيز الأمن والاستقرار في اليمن وفي سقطرى تحديدا.
ولهذا فإن ما حققته الإمارات في سقطرى يعبر عن التزام تام بمبادئ العمل الإنساني المتميز الذي يعيد الحياة الآمنة إلى الشعوب المتضررة من الحروب والصراعات أو من التغيرات الجوية.
إن نموذج العمل الإنساني الإماراتي في سقطرى نموذج حضاري يجب أن يحتذي به المجتمع العربي والعالمي، فمشاريع التطوير شملت كل شيء في الجزيرة ولم تترك شيئا صغيرا أو كبيرًا إلا وقد جعلته أفضل مما كان عليه قبل الأعاصير التي عصفت بالجزيرة. وقد شمل هذا التطوير جوانب عديدة لمسها المواطنون في الجزيرة، وتضمنت مشاريع في المطار الذي أعيد تشغيله بعد توقفه جراء الأعاصير العاتية، إضافة إلى الكهرباء والمياه وتوفير السكن للمتضررين ومساعدة وإغاثة المحتاجين، وصرف بطاقات تموينية لجميع سكان سقطرى، وغيرها من الأعمال التي بذلتها الإمارات، مما جعل سكان الجزيرة ينعمون بحياة طيبة وكريمة.