بدر قاسم محمد يكتب لـ(اليوم الثامن):
العصبوية المناطقية في الجنوب ..كجماعة متخيلة !
إذا ما وضعنا العصبوية المناطقية في الجنوب في قالب من قوالب " الجماعات المتخيلة " كتاب المؤلف البريطاني , بندكت اندرسن, الجماعات التي يسورها "بندكت" أو بمعنى أصح يرى انها تسور نفسها بايدلوجيا متخيلة أو بخيال ايدلوجي يجمعها تحت مظلة " واحدية اللغة او العرق او المعتقد او .. إلى اخره " لتتكور على نواة الفكرة الجامعة التي عادة ماتستلهم من إرث ضارب في القدم لهذه الجماعة أو تلك , حتى ان بندكت صنف " القومية " على انها مجرد جماعة من الجماعات المتخيلة ..
هذا ماقد يسهل علينا هنا عملية تصنيف " العصبوية المناطقية " في الجنوب على انها أوهن تكوينة ايدلوجية لما قد يجوز لنا تسميتها هنا بالجماعة المتخيلة - لغة واصطلاحا - الجماعة التي أخذها الظن في الجنوب مؤخرا على انها جماعة واحدة موحدة تشترك في ( لهجة محلية , لا ترتقي حتى إلى مستوى اللغة ) محددة بمنطقة جغرافية معينة ...
العامل الاساس الذي ساعد في تنمية ايدلوجيا جامعة من هذا النوع لجماعة العصبوية المناطقية في الجنوب وحولها لجماعة متخيلة هو السلوك البريطاني الاستعماري للجنوب العربي الذي أعطى لهذه الجماعات تقسيما اداريا للجغرافيا , كل منطقة جغرافية على حدة بحدود متاخمة كلا منها للاخرى مبقيا على جزرة " الحدود المتنازع عليها " المتدلية اخر العصا الاستعمارية " عصا سياسة فرق تسد " , اضافت معارك الاحتراب الحدودي في الجنوب بين سلطنات الساحل ضد سلطنات ومشيخات الجبال مجتمعة وعززت رابطة العصبوية المناطقية برابطة الدم والمصير الواحد .. هنا بالضبط ربما يمكننا القول ان هذا هو الجذر التاريخي الذي نشأت منه جماعات " العصبوية المناطقية " كآحاد على شكل وهيئة جماعات متخيلة تتخيل كلا منها نفسها : جماعة موحدة لديها مشتركات واحدة .. حتى بعد رحيل الاستعمار البريطاني من عدن وتمدد فكرة الدولة الجنوبية الواحدة واعتماد تقسيم اداري مغيار لجغرافيا الجنوب العربي المستعمر .. لم تستطع الدولة الجنوبية اليمنية الوليدة تجاوز فكرة الصراع العصبوي المناطقي للجماعات المتخيلة التي اختطها السياسة الاستعمارية فطفت بذور وجذور التقسيم الاستعماري بحدود الدم من فوق سطح الخلط الاداري الجديد محاولة الطمر الوحدوي للفجوة التي تبنتها سياسة الدولة الوليدة بعد الاستعمار , فما لبثت ان أطلت " العصبوية المناطقية " برأسها وعاد الصراع مجددا يحتدم بصورته القديمة الجديدة في صورة الحروب الأهلية على كرسي الحكم والرئاسة في العاصمة عدن.. بعد سلسلة من صراعات العصبوية المناطقية لهذه الجماعات المتخيلة الجنوبية ارتمت اخيرا الدولة الجنوبية بنهجها الاشتراكي في حضن المشروع الوحدوي اليمني مع الشمال الرأسمالي .. فصار ماصار من فشل المشروع السياسي الوحدوي مع الشمال وأتت حرب احتلال الشمال للجنوب في صيف 1994م , عزز نظام صنعاء الاحتلالي للجنوب من ثقافة العصبوية المناطقية وعمل على احياءها بقالب احتلالي مشابه للقالب الاستعماري السابق .. توالت الاحداث مؤخرا حتى أوصلتنا إلى سقوط العاصمة صنعاء في يد الجماعة الحوثية .. وبعد ان سقطت صنعاء ذهبت الجماعة الحوثية لإسقاط عدن , عاصمة الدولة الجنوبية السابقة , فكان ماكان من عملية تدخل عسكري عربي في الحرب على الجماعة الحوثية المنقلبة على الدولة اليمنية وبعد ان أدخل القطر اليمني تحت الفصل السابع الاممي وخرج مشروع قرار اممي مشرعن لعملية التدخل العسكري العربي في اليمن .. تم دحر الجماعة الحوثية من قبل قوات المقاومة الجنوبية وبدعم واسناد عسكري من " التحالف العسكري العربي " .. استقرت متوالية الاحداث العسكرية على هذا الوضع الذي نحن عليه اليوم : -
سيطرة عسكرية جنوبية على كامل التراب الجنوبي مضاف اليه عملية توغل في محافظة الحديدة الشمالية الساحلية ..
إذا عدنا لنلقي نظرة على الجنوب مرة أخرى وسألنا انفسنا والحرب في الجنوب مع الجماعة الحوثية تحتدم :
هل استطعنا بالدليل العملي ولو بشكل مؤقت تجاوز عقدة الجماعات المتخيلة الجنوبية المرتكزة على الاساس العصبوي المناطقي ؟
أعتقد انه قبل ان نجيب على هذا السؤال وجب علينا السؤال أولا :-
لماذا تشكلت في منطقة الساحل الجنوبية جماعات متخيلة على اساس عقدي كجماعة تنظيم القاعدة وجماعة انصار الشرعية , بمعزل عن تشكل , ان جاز لنا التعبير , في منطقة الجبال الجنوبية جماعة متخيلة على أساس وطني ؟!
لماذا أبقى التاريخ على حالة فصام من هذا النوع بين : الساحل العقدي والجبل الوطني ؟!
ثم لماذا أديرت دفة الحرب جنوبا مع الجماعة الحوثية على هذا النحو :
- جماعة الساحل العقدية وهي تبدو وكأنها بمعزل تام عن جماعة الجبال الوطنية ؟!.
أخيرا قد يبدو مقالي هذا محبط بعض الشيء لكنه يظل محاولة من محاولات لفت النظر الجنوبي باتجاه التغلب على داء العصبوية المناطقية كجماعة متخيلة واهمة لاتستند على شيء والبحث على الأقل عن فكرة الحد من آثارها... ان لم نستطع التغلب عليها !.