وجه الشبه وواحدية (المطلب)

صالح والحوثي وإمبراطور اليابان

"لا يهمني ما سيحدث لي شخصياً، لكنني أريد النجاة لجميع رعاياي.. وأنا أتقبل شروط المنتصرين من أجل إنقاذ الحضارة البشرية من الدمار التام".
هذه فقرة من الخطاب الذي قرأه إمبراطور اليابان على شعبه عبر الإذاعة معلنا "استسلام بلاده وقبولها شروط الحلفاء"، وهذه الفقرة تشي بوطنية الرجل وإنسانيته، غير أن الصحيح كان العكس.
فبعد أن خسرت اليابان (مليونين ونصف المليون عسكري ومليون مدني) في الحرب ودمرت البلاد ومصانعها ونهضتها ومدنها، أرسل الإمبراطور رسالة إلى الحلفاء بأنه سيقبل بالاستسلام مقابل "بقاء الإمبراطور" في مكانه حاكما لليابان.
وهنا تتضح "خسارة الكاميكاز" لأرواحهم، وكل من انتحر في سبيل الوطن والإمبراطور اتضح له أن الرجل ليس إلا "طالب بقاء في المنصب" وليس (إلها)، كما كانوا يظنون.
يقول المؤرخون في رواية قصة اليابان: "استسلام اليابان كان نهاية الحرب العالمية الثانية، ففي 6 و9 أغسطس نفذت الضربة النووية على هيروشيما وناجازاكي، بينما أعلن الاتحاد السوفييتي الحرب على اليابان واحتل منشوريا. و في يوم 14 أغسطس 1945، خلال اجتماع للإمبراطور وقادة يابانيين (gozenkaigi) قرروا قبول قرارات مؤتمر پوتسدام. وفي اليوم التالي، ألقى إمبراطور اليابان هيروهيتو خطابا عاما في الإذاعة يعلن فيه قبول الاتفاق.
في الولايات المتحدة يحتفلون في مثل هذا اليوم بنصرهم على اليابان، بينما يحتفل اليابانيون فيه بنهاية الحرب.
ألقى إمبراطور اليابان هيروهيتو (لأول مرة) كلمة من الإذاعة، أعلن فيها استسلام القوات المسلحة اليابانية التام للحلفاء. كان الحدث الحاسم الذي أرغم اليابان على الاستسلام هو قصف هيروشيما بالقنبلة الذرية. وقال الإمبراطور يومها: "لا يهمني ما سيحدث لي شخصياً، لكنني أريد النجاة لجميع رعاياي". وأضاف أنه يتقبل شروط المنتصرين "من أجل إنقاذ الحضارة البشرية من الدمار التام". ولم يذكر ولا كلمة واحدة عن هزيمة اليابان عسكرياً.
والسؤال هنا "هل ستنعم بالهناء أرواح الكاميكاز؟"، وهم المنتحرون الذين كانوا يرون الإمبراطور (إله في وطن) مدمجين معاً؟ هل كانت الغاية أن ينتحر بلد بأكمله من أجل "منصب رجل"؟.
ولمعرفة الكاميكاز وجذرها الثقافي، ففي هذا البلد ولدت هذه الفكرة وأخذت تنتشر مجتمعيا حتى لدى النخبة في اليابان، أعلنت الصحف والكتب عن هؤلاء المفجرين، من أجل الدعم والدعوة للانضمام إليهم. وفي أكتوبر 1944 اقتبست إحدى الصحف عن سيكيو نيشنا قوله: "روح القوات الخاصة للهجوم، هي الروح العظيمة التي تجري في دماء كل ياباني... الهجوم الذي يقتل العدو ونفساً واحدة من دون أن يفشل يُسمّى هجوماً خاصاً... وكل ياباني قادر على أن يكون عضواً في القوات الخاصة للهجوم". وكانت فكرة الكاميكازي مصدر إلهام للناشرين الذين نشروا عدداً من الكتب، كثيرٌ منها خيالي، لكن كان منها ما هو واقعي وحقيقي كقصة كييو ايشيكاوا. كذلك أقيمت الحفلات في آخر حملة للكاميكاز.
و(كاميكاز) مشتقة من (كامي) التي تعني (الإله) أو (الروح) و(كاز) التي تعني (الريح)، وهي كلمة يابانية، تترجم عادة بـ(الرياح المقدسة أو الرياح الإلهية)، وتستخدم للإشارة إلى إعصار يقال إنه أنقذ اليابان من غزو أسطول مغولي بقيادة قبلاي خان في 1281. في اليابان يستخدم الاسم (كاميكاز) للإشارة فقط لهذا الإعصار.
 
وحدة الكاميكاز الأولى
طلب القائد أسايكي كاماي مجموعة مكونة من 23 طياراً موهوباً، خضعوا للتدريب تحت إمرته، لكي يتطوعوا للهجوم. ورفع كل طيار يديه الاثنتين تعبيراً عن تأييده للتطوع. وبعد ذلك، طلب أسايكي كاماي إلى القائد يوكيو سيكي أن يقود هذا الهجوم، فأغلق يوكيو سيكي عينيه، وطأطأ رأسه لمدة عشر ثوانٍ مفكراً، ثم قال: "رجاءً ولّني هذا المنصب". فأصبح يوكيو سيكي العضو رقم 24 في الكاميكاز. بعد فترة، قال يوكيو سيكي: "مستقبل اليابان قاتم إذا لم يُقتَل أفضل طياريها". وقال:" أنا لا أنفِّذ هذه العملية لأجل الإمبراطور... بل لأني مأمورٌ بذلك".
 
آثار الهجمات (الكاميكاز)
عدد السفن التي غرقت بحسب مصادر يابانية هي 81 سفينة، والسفن المتضررة 195 سفينة. وبحسب مصادر القوات الجوية للولايات المتحدة 2800 منتحر (كاميكاز) اغرقوا 34 سفينة، و368 سفينة تضررت، وقُتل جرّاء ذلك 4900 بحّار، ما يقارب 8.5% من الهجمات الانتحارية هي التي أسقطت سفناً... هذا الأثر العسكري المؤقت، لكن أين ذهبت "غاياتهم"؟. لم تذهب إلى مكان، بل إلى تحت أقدام الإمبراطور الذي اشترط "بقاءه في المنصب ليقبل بالاستسلام، متناسيا أرواح هؤلاء المنتحرين".
ما دعاني لتذكر هذا الفصل المؤلم من تاريخ البشرية هو الحالة اليمنية، حيث "ينتحر شعب ومقاتلون" في "سبيل السيد والزعيم"، قبل أن يقبل هذان "الشخصان" في نهاية المطاف باستسلام يبقيهما في "مكانيهما ومكانتيهما" وتذوب أرواح "المنتحرين".
على مدى عامين يحارب "المنتحرون" في جماعة الحوثي من أجل "السيد والوطن" ضد (إسرائيل وأمريكا) وأذنابهم آل سعود، كما يقول خطاب السيد الفاقد للاتصال مع الواقع.
قاتل الحوثيون ودخلوا صنعاء من أجل "خفض سعر البترول" ثم رفعوه، ورفعوا كل شيء له ثمن في البلد، والأدهى أنهم تسببوا في ارتفاع الأرواح إلى السماء، كما لم يحدث سابقا في هذا البلد.
يقول منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ستيفن أوبراين في مداخلة أمام مجلس الأمن الدولي إن "اليمن على شفا مجاعة". وحث على "وقف هذه الحرب وهذه المعاناة".
وأشار المسئول الأممي إلى أن القتال في اليمن تسبب في "كارثة" جعلت أكثر من 21 مليون شخص- أي 80 % من اليمنيين- في حاجة إلى المساعدات الإنسانية، ومن هؤلاء أكثر من مليوني شخص يعانون سوء التغذية.
وأضاف أوبراين أن "اليمن على بعد خطوة واحدة من المجاعة، وعلى رأس هذه المعاناة تطل الكوليرا بوجهها القبيح، وهناك الآن 61 حالة إصابة مؤكدة مع أكثر من 1700 من الحالات المشتبه بها، في عشر محافظات".
وقال المنسق الأممي إن "العنف" الذي بدأ قبل 19 شهرا سلب من اليمنيين حياتهم وأملهم وحقهم في العيش بكرامة، مؤكدا أن جميع أطراف الصراع ارتكبت "انتهاكات جسيمة للقانون الدولي وحقوق الإنسان".
وأضاف أن "آلاف الأشخاص قتلوا وأصيب عشرات الآلاف واضطر أكثر من ثلاثة ملايين شخص إلى ترك منازلهم، ويعاني سبعة ملايين آخرين من القلق لعدم معرفتهم من أين ستأتي وجبتهم الغذائية التالية".
ودعا أوبراين الأطراف المعنية إلى التوصل لاتفاق سلام من أجل إنقاذ ما تبقى من بنية تحتية واقتصاد وخدمات اجتماعية في البلاد.
ويسعى مجلس الأمن إلى الضغط على المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران والحكومة اليمنية الشرعية لإنهاء الحرب.
واختتم وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية إفادته إلى أعضاء المجلس بالتحذير من "كارثة إنسانية، من صنع الإنسان، تلوح في الأفق".
يشار إلى أن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة حذر في وقت سابق من أن 14.1 مليون شخص في اليمن يعانون انعدام الأمن الغذائي، من بينهم سبعة ملايين يعانون بشدة من انعدام الأمن الغذائي، وفي بعض المحافظات يكافح 70% من السكان لإطعام أنفسهم.
وأسفر الصراع في اليمن عن مقتل ما لا يقل عن عشرة آلاف شخص، وتسبب في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
وفي وضع كهذا، والتحالف العربي "الغني عسكريا واقتصاديا" والمدعوم من العالم مُصرّ على "الحسم ويحضر لمعركة الحديدة"، يخرج عشرات الآلاف في صنعاء تأييدا للزعيم والسيد، حاملين شعارات "لا تصنع حضارة ولا تبني إنسان".
نجح صالح على مدى ثلاثة عقود في صنع "دولة عميقة" تستطيع "الحشد والتزوير" وإقناع البسطاء والعامة "بزعامته وقدرته وإنجازاته"، بل وجعلهم يقاتلون عن توجهاته، وتماهى (في ذهنيتهم) مع الوطن.
ويقاتل أنصار صالح من أجله، رغم أن الرجل "يفتقد إلى الوطنية"، حيث لا يتراجع عن التحالف مع "أي فصيل" مهما كان ضرره على الوطن في سبيل أن "يبقى في المنصب".
أشارت صحيفة (تيليغراف) البريطانية في تقرير لها إلى أن "الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح تسبب في بؤس اليمن، سواء من أجل التمسك بالسلطة أو العودة إليها بعد إجباره على التنحي استجابة لمطالب مظاهرات (الربيع العربي) عام 2011".
وتحدث تقرير للكاتب ريتشارد سبنسر عن أن "صالح الذي تلقى في الماضي ولمدة سنوات المساعدات المالية والأسلحة وغيرها من الغرب وحلفاء اليمن من أجل محاربة (تنظيم القاعدة)، سعى للاتفاق مع التنظيم في 2011 وسلمه محافظة أبين، جنوب البلاد، وذلك عندما شعر أن حكمه بات مهدداً بسبب (الربيع العربي)، ولإثبات أن المظاهرات تضر بأمن البلاد".
 
لقاء صالح بزعيم (القاعدة)
وقد كشف تقرير حديث صادر عن مجلس الأمن الدولي، أعده مجموعة من الخبراء، أن صالح التقى بالفعل زعيم تنظيم ما يعرف بـ(القاعدة في شبه جزيرة العرب) في اليمن سامي ديان، داخل المكتب الرئاسي بصنعاء في العام 2011، في الفترة نفسها التي اندلعت فيها المظاهرات الداعية لعزله.
ونقلت صحيفة (تيليغراف) عن التقرير الأممي أنه خلال هذا اللقاء الذي جرى بحضور وزير دفاع صالح آنذاك محمد ناصر أحمد، طلب زعيم تنظيم القاعدة في اليمن من صالح سحب الجيش اليمني من محافظة أبين القريبة من عدن التي تطل على منفذ بحري.
وهذا ما أكد تقرير مجلس الأمن حدوثه بالفعل. ففي مايو 2011، وبينما اتسع نطاق المظاهرات المطالبة برحيل صالح عن السلطة، اتجه تنظيم القاعدة صوب أبين ليحتلها بكل سهولة، وبقيت تحت سيطرته لسنوات بعد ذلك. حينذاك، وفي ظروف غامضة، انحلت كذلك وحدة مكافحة الإرهاب التي شكلتها حكومات غربية في اليمن، والتي كان يحيى صالح، ابن شقيق علي عبدالله صالح، يرأسها.
وأضافت الصحيفة البريطانية أن صالح عمل بعد تخليه عن السلطة، بوساطة خليجية، على التحالف مع الحوثيين الذين خاض ضدهم عدة حروب خلال سنوات حكمه، ظناً منه أنه كلما أعطى انطباعاً بأن اليمن يقع في أيدي المتشددين، زادت رغبة الغرب بإبقائه في منصبه بأي ثمن.
واعتبرت الصحيفة أن القدرة التي يتمتع بها صالح على المكر وتحويل الأعداء إلى حلفاء ينبغي عدم الاستهانة بها، لأنها أدت في النهاية إلى تمزيق اليمن.
ولفت التقرير إلى أن تحالف صالح مع جماعة الحوثيين المدعومين من إيران، جاء بدافع الانتقام بعد تركه السلطة نزولاً عند الرغبة الشعبية، وكان الثمن التمزق الذي يعيشه اليمن في الوقت الحالي.
ويتضح الأمر، أن الرجل (مستعد للاتفاق مع أي فصيل) في سبيل البقاء، لكن الأدهى أنه يستمر في خداع البسطاء رغم كونهم في (عهده) يزدادون بؤسا، فيما يفحش هو وأسرته في الثراءً، ففي حين يعيش 54 بالمئة من سكان اليمن في فقر مدقع، بحسب تقديرات البنك الدولي، (قبل الحرب) تشير معلومات في جزء آخر من تقرير الأمم المتحدة، إلى أن صالح جمع ثروة ضخمة أثناء حكمه لليمن، أغلب هذه الثروة تدار من قبل رجال أعمال مقربين منه، يقيمون في مناطق مختلفة حول العالم.
وتقدر الثروة التي جمعها صالح بين 32 و60 مليار دولار أميركي، أغلبها تم تهريبه خارج اليمن بأسماء مزورة أو أسماء أشخاص يعملون لحساب صالح يتم تحويل أصول ثروته إليهم، وفقا لما ورد في التقرير. وتتخذ هذه الأصول شكل عقارات وسيولة نقدية وأسهم وذهب وسلع أخرى ذات قيمة عالية.
وفيما يعتقد أيضا أن مقدار ثروة صالح مبالغ فيه، لاسيما أنه صرف جزءا كبيرا منها لشراء ولاءات زعماء القبائل، تنقل صحيفة (تيليغراف) عن محلل اقتصادي سعودي أن ثروة صالح وفي أقل تقدير قد يكون بقي منها الربع، أي حوالي 15 مليار دولار أميركي.
تتضح النهاية للزعيم والسيد، حيث إن الإدارة الأمريكية لا تمانع بالذهاب بعيدا في تركيع "الانقلابيين" حتى يلزموا بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وهي الانسحاب من المدن وتسليم السلاح، مع تنفيذ عقوبات على شخصيات من الانقلابيين، وهو ما سيدفعهما إلى "القبول باستسلام" مشروط بشرط وحيد، هو "بقاء الزعيم والسيد في مكانتيهما"، أي "زعيم روحي لطائفة، ورئيس لحزب سياسي (ممزق)" بينما ستذهب أرواح (المنتحرين) من أجلهما لتعانق أرواح (الكاميكاز) في مكان ما، حيث الحسرة والندم الأبدي.