سمير عادل يكتب لـ(اليوم الثامن):

العراق: اقليم البصرة وحصة العامل منه

كم سيحصل العامل في القطاع النفطي الذي تهدده الامراض السرطانية وحرمان أغلبية العمال من سكن لائق، فيما اذا تأسس اقليم البصرة، وكم سيساعد تأسيس الاقليم المذكور في تثبيت عمال العقود والاجور في قطاع الطاقة والكهرباء والبلديات لنيل مستحقات الضمان الاجتماعي ومخصصات الزواج والاطفال وبدل الخطورة اضافة الى حصولهم على معاشات تتناسب مع القدرة الشرائية في المجتمع، وكم سيحقق نفس الاقليم بدل او ضمان بطالة او فرصة عمل مناسب للآلاف المؤلفة من العاطلين عن العمل اناث وذكور لمن بلغ عمر او سن السادة عشرة!!!

منذ اكثر من عقد وهناك محاولات حثيثة من قبل فصيل من فصائل الاسلام السياسي الشيعي بتحويل محافظة البصرة الى اقليم مستندين على مبررات قانونية في الدستور تخول ثلاث محافظات او محافظة واحدة بتحويلها الى اقليم، ومبرر سياسي وهو الحيلولة دون استفراد الدولة المركزية وتقليم اضافرها ومنعها من ان تتحول الى دولة استبدادية مثلما كان العراق قبل الغزو والاحتلال اي قبل عام ٢٠٠٣.

بعد اجتياح الاحتجاجات الجماهيرية ومنذ شباط ٢٠١١ ضد كل اشكال الفساد الاداري والمالي والسياسي وغياب الخدمات والبطالة ضد حكومات الاسلام السياسي سواء في المركز او الحكومات المحلية في المحافظات، كانت البصرة بأقضيتها ونواحيها ومركزها واحدة من قلاع تلك الاحتجاجات، حاول جناح من اجنحة الاسلام السياسي استغلال الغضب والسخط الجماهيري لحرف الانظار عن رموز الفساد والقوى السياسية المنتمية لها لتقوية الدعوة الى المطالبة بتأسيس اقليم البصرة، مبررة اياه ان المركز وراء عدم توفير المخصصات المالية للمحافظة وانفاقها على الخدمات. لندعو القارئ ان يستنتج بنفسه صحة تلك المزاعم بالأرقام،  فقد بلغ حصة البصرة من تنمية الاقاليم ٤٦٨ مليار دينار من الموازنة المالية المركزية حتى عام ٢٠١٤ ، ويضاف اليها ٥ دولار لكل برميل نفط حسب قانون رقم ٢١ للمحافظات المنتجة للنفط عام ٢٠٠٨ والتي سميت بـ (بترودولار) الى جانب ٥٠٪ من ايرادات المنافذ الحدودية بما فيها الميناء الذي تضاهي ايراداته مدخولات النفط. ولم تخفض ميزانية البصرة الا بعد اعلان سياسة التقشف من قبل حكومة العبادي بعد ان سلم سلفه المالكي خزينة العراق فارغة اضافة الى تسليم ثلث مساحة العراق الى عصابات داعش.  وقد خفضت ميزانية البصرة من تنمية الاقاليم في اجتماع مجلس الوزراء في ١٨ تشرين الاول من عام ٢٠١٥ الى ١٣٦ مليار دولار وتخفيض حصتها ايضا من ٥ دولار الى دولار واحد عن بيع برميل النفط الخام، في حين ابقى على حصتها ٢ دولار على انتاج ١٥٠ متر مكعب من الغاز و٢ دولار ايضا الى النفط المنتج في مصافي المحافظات.

السؤال البديهي الذي يطرح نفسه، اين هي الاموال المتحصلة خلال كل تلك السنوات، والتي خرجت جماهير البصرة عن بكرة ابيها يوم ٧ ايلول ٢٠١٨ في احتجاجات ضد انعدام مياه صالحة للشرب وانهيار كل اشكال الخدمات، والقطط والكلاب السائبة تصول وتجول في عدد من المستشفيات، وبطالة تنهش بأكثر من ٣٠٠ الف عاطل عن العمل ومدينة تزينها اكوام من الزبالة والنفايات؟ اين تلك الاموال من توظيف العاطلين عن العمل او على الاقل تأمين الحد الادنى لبقائهم احياء حتى توفير فرصة عمل عن طريق منح تخصيص ضمان بطالة لهم في الوقت الذي بلغ انتاج النفط في البصرة يوميا اكثر من ١٠ مليون دولار ، اذا افترضنا ان الانتاج يبلغ كحد ادنى ٢ مليون برميل يوميا منذ عام ٢٠٠٨ حتى عام ٢٠١٥ وتحصل البصرة على ٥ دولار من بيع برميل واحد من النفط، اين بدلات الخطورة التي يجب ان تدفع للعاملين في القطاع النفطي وتكاليف العلاج من امراض السرطان تساوي قيمة بيع عقار او عقارين لتوفيره، هذا ناهيك عن المصادر الاخرى التي يستحصل منها الاموال كما ذكرنا.

في الحقيقة ان الاجندة التي تقف وراء ذلك المشروع المشبوه هو صراع الاطراف مع المركز على نهب وارادت النفط والمنافذ الحدودية وعقد الصفقات التجارية والمالية والاقتصادية مع شركات ومؤسسات اجنبية حسب ما ينص عليها المادة (١٢١) من البند الرابع من الدستور، تخصص مكاتب للمحافظات والاقاليم في السفارات والبعثات الدبلوماسية لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والانمائية. انه صراع جناح من اجنحة الاسلام السياسي المتمثل بحزب الفضيلة مع بقية الاجنحة الاسلامية الاخرى مثل المجلس الاعلى والتيار الصدري وحزب الدعوة وبدر بجميع اقسامه للاستحواذ على ما يمكن من ثروات المجتمع. ان رفض المالكي في ولايته الثانية لمشروع اقليم البصرة كما هو رفض اقسام من الاسلام السياسي الشيعي اليوم مرهون بحجم حصة كل طرف من الاموال المنهوبة في حالة تأسيس الاقليم من عدم تأسيسه. وهنا تكمن السخرية عندما يقود المشروع صباح البزوني رئيس مجلس المحافظة المنتمي لحزب الدعوة جناح المالكي والذي اعتقل بتهمة تلقيه رشاوى، ليطلق سراحه ويظهر هذه المرة قائدا لمشروع تأسيس اقليم البصرة. وهذا يوضح بشكل لا لبس فيه، ان كل طرف يرى مصالحه من خلال الحصة التي يحصل عليها وعليه يحدد موقفه من مشروع تأسيس الاقليم. اما ما سيحصل عليه العامل سواء كان يعمل او عاطل عن العمل فليس في وارد او حسبان اي طرف.

وعليه ان مشروع تأسيس الاقليم كتحصيل حاصل هو مشروع لذر الرماد في العيون وحرف الاحتجاجات الجماهيرية من اجل توفير الخدمات والقضاء على الفساد والبطالة عن مسارها الاصلي. انه مشروع جديد للنهب والسلب، فلن يغير من واقع العامل المعيشي والحياتي، ولا من واقع المدينة، انه لا يؤدي الا الى ازدياد بؤسها وفقرها، لذا علينا ان نحافظ على صفنا المستقل وعدم السماح لتحريف توجه نضالنا نحو تحقيق مطالبنا العادلة المتمثلة بتوفير الامان وضمان بطالة او فرصة عمل وتوفير الخدمات.