أزراج عمر يكتب:
متى نؤسس مراكز للتفكير
في الدول الأوروبية وفي الغرب عموما توجد ظاهرة صحية تتمثل في انتشار مراكز أو مجموعات التفكير التي تعمل جماعيا وتتكفل بإنجاز التقارير الدقيقة والدراسات المعمقة في جميع المجالات الحيوية مثل الاقتصاد، وتنظيم المدن والمعمار، والتعليم، والثقافة، والسياسات الخارجية، ومشاريع الأحزاب والجمعيات، والإثنيات، والدفاع الوطني، وقضايا الحوار بين الأديان والحضارات وهلم جرا.
ففي بريطانيا، مثلا، هناك أكثر من مئة وخمسين مركز تفكير يعمل فيها كبار المفكرين والباحثين والسياسيين الكبار المتقاعدين والأساتذة البارزين المتخصصين، وأكثر من ذلك فهناك مجموعات التفكير حتى في الجامعات الكبرى والمؤسسات الاقتصادية والعلمية والفكرية التي تسند إليها مهام التفكير لهذه الأمة الغربية أو تلك.
ففي الشهر الماضي، مثلا، نشر محرر مجلة الإكونمست البريطانية الشهيرة لشؤون التجارة مقالا تحليليا غنيا بالمعلومات عن دور مجموعات التفكير في المجتمع البريطاني في رسم معالم التنمية بكل أنماطها ومجالاتها وفي التخطيط للأحزاب والمؤسسات.
وأذكر أنه في فترة بروز قضية الإثنيات والتعددية الثقافية والدينية في المجتمع البريطاني فإن مركز ديموس للتفكير قد أنجز ملفات مهمة جدا تخص واقع الإثنيات ببريطانيا ومشكلاتها والحلول الناجعة التي بمقتضاها يتم بناء هندسة اجتماعية بريطانية تتميز بالانسجام، وتتفادى ما كان يسميه المفكر الأميركي المعروف صمويل هنتينغتون بصدام الحضارات أو الثقافات داخل المجتمعات الأوروبية/ الغربية.
والجدير بالذكر هو أن هذا المركز قد أنتج كتيبا له قيمة علمية وسياسية وإجرائية عن قضية تعدد الهويات في الفضاء البريطاني.
منذ مدة قصيرة حضرت بمدينة هيستنغز محاضرة مهمة ألقاها الاستراتيجي البريطاني غاي ستانديغ الذي عمل مستشارا لمنظمة الأمم المتحدة وللبنك الدولي، والرئيس الشرفي الحالي لشبكة الدخل القاعدي ذات الفروع في عدة دول في العالم، وقدم في هذه المحاضرة مشروعا لتحرير الإنسانية من التهميش الاجتماعي والاقتصادي، وفي أثناء هذه المحاضرة ذكر أن رئيس حزب العمال البريطاني جريمي كوريين قد طلب منه أن ينجز لحزب العمال البريطاني تقريرا مفصلا عن دلالة مفهوم الدخل القاعدي وكيفية تحقيقه وتطبيقه في المجتمع، وهذا يعني أن شبكة الدخل القاعدي التي ينتمي إليها المفكر ستاندينغ هي بمثابة مركز تفكير يفكر للدولة وللدول الأخرى. وهنا نتساءل: متى تنشأ عندنا مجموعات التفكير التي تفكر لدولنا وشعوبها؟