حميد طولست يكتب لـ(اليوم الثامن):
اللحى الداعرة والمستأجرة !!
مشكل الفرد في المجتمعات الإسلامية عامة والعربية على وجه الخصوص، ليس في الجهل المطبق الذي يغرق فيه، بقدر ما هو في تقديسه لذاك الجهل والدفاع عنه والاستماتة في جعل خلق الله جميعهم يصطفون خلفه ، ويتمترسون معه في خندق الذين يحملون رايته ويرددون شعاره الذي هو عندهم "إما أن تكون جاهلا مثلنا أو أنك ضد الدين والشريعة"، ورغم إيماني القاطع بقوله تعالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ" ، إلا أنه كثيرا ما تخامرني الظنون بأن أكثرية ذوي اللحى ليسوا متدينين بقدر ما هم منافقون ، وكثيرا ما يعتريني الإحساس الشديد بأن لحاهم تلك ليست إلا عَلامة تَميّز لا عَلاقة لها بالتَقوى والوَرع ومخافة الله ، وأنها محض "ديكور" أتخد لمآرب الشخصية و غايات أنانية ، التي يسعون إلى تحقيقها في المجتمعات التي تختزل الدين في طول اللحى ، وتحصره في تفسيرات كل ملتح ، على اعتقاد أنهم وحدهم من يجسد الدين ، وأفضل من يمتلك حقيقته وأفكاره-حتى لو كانوا أغبياء ، بعقول صدئة، وأدمغة عمشاء لا تفرق بين الأبيض والأسود- وأن غيرهم ليس له من حقائق الدين إلا بقدر تنفيذهم لاملاءات الشيوخ دوي اللحى الغبية ، وفتاواهم المتخلفة التي تنحر الدين الحق ، وتقتل الإيمان الصادق في النفوس ، وأيديولوجياتهم المنحرفة التي تعزز الإجرام في قلوب البسطاء ، وتحث على قتل كل المخالفين لشرائعهم ، الذي تجرد سيوف الاتهام من أغمدتها لتطعن في سريرتهم ونياتهم ، فيصبحون علمانيين ، أو ليبراليين ، أو عملاء ، لينتهي بهم وابل التهم إلى كفار وديوتيين ومارقين لا غيرة لهم على دينهم..
ليس سوء الظن الذي يراودني بشأن اللحى شاملا لكل أشكالها ، فهو يستثني اللحى التي هي علامة احترام وافتخار وكرامة عند الشعوب السامية في الشرق الأوسط قديمًا، والتي حظيت باحترام وتقدير سنة المصطفى ، صلى الله عليه وسلم ، والتي لازالت تعتبر علامة نضج وبلوغ ، يستحق أصحابها التوقير والاحترام.. لكن طني السيئ يخص ظاهرة اللحى الداعرة ، التي تستأجر من أجل المصلحة الخاصة والأغراض الضيقة ، والتي هي من أقبح صور الابتذال والحقارة الأقل من استرخاص المرأة لجسدها وشرفها من أجل المال ، والتي يخرجها المستفيدون منها من دائرة النقد إلى دائرة التعالي والقداسة واعتبارها من صلب الدين وجوهره ، وقد عزز ذلك الطن عندي مؤخرا أحد أصهاري من المثقفين اللبراليين الذي إلتقيته مؤخرا في مناسبة عائلية ، وقد تغير شكل وجهه بلحية داعشية مرعبة ، جعلتني لا أستطع إخفاء استغرابي من "لوكه" الجديد والذي لا يتماش مع وظيفته السامية ، وأناقة ملبسه الراقية ، والذي سارع ، بعد أن فطن لدهشتي ، لفرط ذكائه ، إلى شرح أسباب إطلاقه للحية بهذا الشكل ، قائلا : إنها ليست انتسابا لجهة ما ، وليست تشددا في التدين ، وإنما اتخذتها لحل مشكل معقد كنت أعيشه مع ساكنة العمارة المكتظة التي أسكن إحدى شقق طوابقها العليا ،والتي كنت أضيع وقتا وجهدا ثمينين أمام مصعدها الدائم الازدحام ، إلى جانب إني أكره استعمال المصعد مع غيري ، فقررت إطلاق اللحية وإطالتها دون عناية ، إيغالا في الترهيب ، وإخافة سكان العمارة الذين لم يعد يزاحمني أحد على المصعد ، في الصعود أو النزول ، بل ويفسحون لي المجال وحدي مرددين : تفضل يا حاج، والهلع يفترس دواخلهم ، ضحكت حتى بدت مني النواجذ ، وتحول ما كان بي من ظن سيئ باللحى إلى يقين ، وأن أكثرية الملتحين لا عَلاقة لهم بالتَقوى والوَرع ومخافة الله، وإنما لمآرب أخرى يبغونها منها..
مدير جريدة"منتدى سايس" الورقية الجهوية الصادرة من فاس
رئيس نشر "منتدى سايس" الإليكترونية
رئيس نشر جريدة " الأحداث العربية" الوطنية.
عضو مؤسس لجمعية المدونين المغاربة.
عضو المكتب التنفيذي لرابطة الصحافة الإلكترونية.
عضو المكتب التنفيدي للمنتدى المغربي لحقوق الإنسان لجهة فاس مكناس
عضو المكتب التنفيدي لـ "لمرصد الدولي للإعلام وحقوق الأنسان "