عبدالوهاب بدرخان يكتب:

ظهور «البغدادي» وتصنيف «الإخوان»

أثار فيديو المدعو «أبو بكر البغدادي» الكثير من الأسئلة عن مضمونه وأهدافه، وكذلك عن الجهة ذات المصلحة في «إظهاره» في هذا التوقيت. بدا الحدث كأنه إبلاغ أولي عن «داعش» جديد يجري العمل على إعداده، بمهمة ووظيفة مختلفتين، ورقعة انتشار أكثر اتساعاً، وبالأساليب الوحشية ذاتها أو بأسوأ منها. قد ينكفئ الرجل لفترة ولا يعاود الظهور إلا متى تبلورت الصيغة التالية للتنظيم. وكالعادة اهتمّت الأجهزة الأمنية في العواصم كافةً، ومعها الإعلام والصحافة، بتحليل «رسائل» البغدادي ومراوحتها بين تأكيد أنه حيٌّ وموجود في قيادة تنظيمه وبين لغة جسده ولباسه، وصولاً إلى التهديدات التي حرص على توجيهها، بشيء من التحديد أحياناً كما بالنسبة إلى فرنسا. ورغم أن إضافات زيدت إلى الشريط ابتغاء التحديث، فقد ظلّ ناقصاً مشهد البغدادي واقفاً أو سائراً على قدميه لإثبات أن ما قيل سابقاً عن إصابته ليس صحيحاً، بعدما تأكّد الآن عدم صحّة مقتله.

خسر البغدادي «دولته» لكنه بصحّة جيّدة ويفتي للهزيمة بأن «الله أمرنا بالجهاد ولم يأمرنا بالنصر». خسر «الخلافة» ولم يعد لديه سوى بقايا تنظيم سيُعرف دائماً باسم «داعش» على سبيل المقت والتحقير. خسر ألوف «الدواعش» المقاتلين الذين قضوا بسبب غباء مشروعه ولم يعد لديه ما يربحه سوى أن يثأر لهم. في أي حال لم يكن متوقّعاً أن يظهر البغدادي بعد الهزيمة بخطاب يعبّر عن «مراجعة» للذات والفكر والممارسات أو عن «ندم» على جرائم ارتكبها. سبقه إلى ذلك زعيما «القاعدة» أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، فليس من شيم تنظيمات كهذه أن تعترف بأي خطأ، ولا من تقاليدها أن تفاوض إلا لبيع النفط المهرّب والنفائس والآثار المسروقة، كما فعل «داعش». وهذا ما يرسّخ تحدّر هذه التنظيمات من أعتى الفاشيات وأخطر المافيات وعصابات الجريمة المنظّمة، مع فارق أن كل هذه الظواهر لا تدّعي العمل لأي دين ولا تتنكّر باسمه.

أشار البغدادي إلى دول أفريقية أصبحت للتنظيم مجموعات ناشطة فيها، منها مالي وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى، كما ذكر أفغانستان وباكستان. ويؤكّد خبراء مكافحة الإرهاب أن «داعش» موجود في عشر دول، ويقدّرون أن خلاياه النائمة و«ذئابه المنفردة» ربما تنتشر في عشرين دولة أخرى. هذا لا ينفي أنه هُزم وتضاءلت قدراته حيث كان يعتزم البقاء في ما سمّاه «دولة الخلافة»، أما تعميمه عملياته واستهدافه المسيحيين وتركيزه على الثأر فستوزّع عبء مكافحة الإرهاب عالميّاً، وتؤكّد الطبيعة الحقيقية للتنظيم كعصابة إجرامية لا علاقة لها بالإسلام ولا بأي دين.

غداة بث الفيديو طُرح سؤالان بإلحاح: أي جهة أو دولة في صدد إعادة إنتاج «داعش» وتوظيفه لمصلحتها؟ وهل من رابط بين ظهور البغدادي واعتزام الولايات المتحدة تصنيف جماعة «الإخوان المسلمين» كمنظمة إرهابية؟ الواقع أنه بعد إعلان هزيمة «داعش» حان الوقت لتكشف واشنطن وغيرها الأوراق فلا تكتفي بالإشارة إلى أن هذه الدولة أو تلك «تدعم الإرهاب» واستخدام ذلك الاتهام لأغراض الضغط السياسي. ذاك أن إبقاء هذا الاتهام عائماً بات يعني قبول الإرهاب وتنظيماته أداة في صراعات إقليمية. وفي غياب معلومات دقيقة وموثّقة لا تخشى حتى الدول التي تدعم الإرهاب فعلاً ما يمنعها من توجيه الاتهامات بدورها، ولذلك لا تتردّد إيران وأتباعها في اتهام الولايات المتحدة وحلفائها، رغم أن إيواء طهران لفلول «القاعدة» ليس سرّاً، وهي لم تكن بعيدة أو غريبة عن خروج «داعش» من رحم «القاعدة» ثم ظهوره في العراق وسوريا بتسهيلات لوجستية من نظامين حليفين لإيران. كذلك يفترض إيضاح الدور الذي لعبته تركيا في تسمين «داعش» وتمكينه.

في السياق نفسه، ووفقاً لبعض الخبراء، يبدو توقيت البحث في تصنيف «الإخوان» مرتبطاً بهزيمة «داعش»، فالانتهاء من النواة العسكرية الصلبة للتنظيم يؤشّر في نظرهم إلى شروع «التحالف الدولي» في ضرب البنية الفكرية لـ«الإخوان» التنظيم الذي خرجت من تحت عباءته المجموعات المتطرّفة. واشنطن تفتح الملف حالياً بمقاربة مختلفة.

الاتحاد