عبدالوهاب بدرخان يكتب:
إرهاب الحوثي بدأ قبل التصنيف الأمريكي
مخاطر المجاعة وعوارضها ظاهرة في اليمن، قبل التصنيف الأمريكي لجماعة الحوثيين منظمة إرهابية وبعده، فهل تزداد وتتوسع، كما يحذّر المسؤولون الأمميون؟ الاحتمال قائمٌ، لكنهم لا يشيرون إلى مسؤولية إدارة الجماعة لمناطق سيطرتها، لئلا تحجم عن تسهيل عملهم الإنساني أو السياسي، علماً بأنها تستولي على جزء كبير من المساعدات للاتجار به.
طبعاً، من شأن الأمم المتحدة أن تتواصل مع كل الأطراف في أي نزاع، بهدف وقف القتال والسعي إلى حلول سياسية، وهذا ما حاوله المبعوثون الأمميون ولم يوفقوا، لكنهم لا يشيرون إلى مسؤولية الحوثيين في إحباط مساعيهم. ولا تزال مفاوضات 2016 في الكويت شاهدةً على نجاح أولي في تضييق رقعة الخلافات ورسم ملامح لمشاركة توافقية في حل سياسي، قبل أن يجهضها الحوثيون. وحينذاك لم يكونوا قد صنّفوا أمريكياً إرهابيين، بل كانت واشنطن في شبه هدنة مع طهران، وضغطت لإرضاء حلفائها الانقلابيين، إلا أنهم لم يكتفوا بمكاسب عُرضت عليهم ولا يستحقّونها، بل طمعوا بالمزيد.
عموماً، أظهرت وقائع الأزمة في اليمن أن التطوّرات الميدانية هي العامل الوحيد الذي يحرّك جمودها، في البداية كان الانقلاب الحوثي وتوسّعه في جغرافية البلاد، مع حرصه على التموضع الحدودي لتهديد السعودية، ومن ثمّ نشوء التحالف العربي لدعم الشرعية ودعمه الحكومة لإعادة بسط سيطرتها.
توقّف التحرك العسكري أولاً بالقرب من صنعاء ثم أُبعد، وتوقّف ثانياً عند تخوم الحديدة لتجنّب كارثة إنسانية، لكنه مع ذلك، وللأسف، يبقى الوحيد المؤهّل للضغط على الطرف الحوثي لوقف الحرب وتقصير معاناة المدنيين أو لإيجاد تسوية سياسية. غير أن الحوثيين حدّدوا حالياً اجتياح محافظة مأرب هدفاً لهم، إذ يطمحون للسيطرة على النفط، ولإبقاء الوضع على حاله في انتظار حل يلبّي شروطهم ويكرّس "دولتهم".
تأخّرت واشنطن كثيراً في تصنيف الحوثيين، والواقع أنها لم تكن مضطرة إليه، بل كان الأفضل مثلاً لو أن إداراتها منذ باراك أوباما أظهرت حزماً تجاههم ولم تسايرهم عندما كانوا يتلاعبون بحوارات صنعاء ويمهّدون لانقلابهم تحت أنظارها. حدّد الوزير مايك بومبيو هدفاً لتصنيف الجماعة إرهابيةً، وهو الدفع بمساعي الأمم المتحدة من أجل حل سياسي. ويلتقي ذلك مع جهود بذلتها السعودية لإبرام وتنفيذ "اتفاق الرياض"، بين الحكومة الشرعية والأطراف الجنوبية.
جاء قصف مطار عدن لحظة وصول طائرة الحكومة الجديدة ومحاولة قصف مقرها في القصر الرئاسي بمثابة رسالة حوثية، مفادها أولاً، رفض "اتفاق الرياض" كنموذج تفاوضي قابل للتعميم يمنياً، وثانياً، إدامة الأزمة إلى أن يتم الاعتراف بالحكم الحوثي في اليمن.
اختارت إدارة ترامب تصنيف الحوثيين في أيامها الأخيرة، ولذلك اعتُبرت خطوتها تعقيداً إضافياً للصراع اليمني وإرباكاً آخر لإدارة جو بايدن، الذي كان وفريقه انتقدا "حرب اليمن" متطلِّعَين إلى إنهائها.
وفي هذا المجال تبدو الحكومة الشرعية ودول "التحالف العربي" أكثر رغبة في إنهاء تلك الحرب بالأمس قبل اليوم، لكن بتسوية سياسية عادلة يتفق اليمنيون عليها، وليس على أساس الرضوخ لسيطرة الحوثي واعتماده على تسوية منبثقة من مساومة إيرانية مع الولايات المتحدة.
صحيح أن إرهاب الحوثيين لم يبدأ مع تصنيفهم أمريكياً، لكن هذا التصنيف جاء تنبيهاً لإدارة بايدن لتتمايز عن تساهلات إدارة أوباما، فاليمن لا يمكن أن يكون حوثياً ولن يكون.