الأوطان الحرة لا يبنيها إلا مواطنون أحرار

عندما يتحول الطباخ إلى طيار

حتى في أحداث الثالث عشر من يناير 1968 م التي لم يحدث مثلها في البلاد (الجنوب)، ظلت عيون الأمن ساهرة ويقظة، خاصة في المناطق التي كان يسيطر عليها أحد طرفي النزاع لكن في أحداثٍ كتلك التي مرت بجنوبنا، ونتيجة للإجهاد والضغوط الكبيرة الواقعة على القائمين على الأمن، قد تُرهَق العيون الساهرة  ويجعلها تُخطئ النظر وتصيب أناساً أبرياء، لا ناقة لهم ولا جمل فيما حصل.

 

روى لي صديق عزيز، شفاه الله من مرضه، ما حدث له في تلك الأحداث المؤلمة وذلك عندما التجأ إليه ثلاثة من الطباخين كان قد تعرف عليهم أثناء أدائه الخدمة العسكرية الوطنية في معسكر بدر كان أولئك الطباخون هاربين من جحيم المعارك الدائرة رحاها في عدن لم تهن على صديقي العشرة واستقبلهم ورحب بهم وأسكنهم في بيته.

 

لم يطل مكوث الضيوف كثيراً في بيت الصديق، فقد جاء رجال أمن واقتادوهم إلى الشرطة ولم ينسوا أن يقتادوا معهم مضيفهم.

 

ظل صديقي في الحجز قرابة النصف شهر وكانت التهمة هي التستر على طيارين كان صديقي، طوال تلك الفترة يتوسل إلى مُعتَقِليه ويترجاهم أن يحضروا له كيس أو نصف كيس دقيق، وذلك لكي يثبت لهم بأن ضيوفه طباخين وليسوا طيارين، كما يتهمونهم.

 

 كان يريد أن يثبت لهم  ذلك عملياً، بأن يجعلهم يعجنوا الدقيق ويأكل كل المساجين، وكذلك الجنود من طباختهم لكن توسلاته لم تأتِ بنتيجة، وظل رهين الاعتقال حتى تم الإفراج عنه بوساطة قيادي حزبي معروف.

 

أعرف، كذلك، شخصين أتهما، بعد أشهر من الاستقلال(نوفمبر 67 م)، برمي قنبلة يدوية إلى داخل سور قصر دار الحجر وبعد أشهرٍ من الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري تم الإفراج عنهما بعد أن اتضح عدم علاقتهما بحادثة إلقاء القنبلة فقط تم اعتقالهما لأن الشكوك ساورت معتقليهما بأنهما يمكن أن يفعلا ذلك بسبب انتمائهما إلى الفصيل الآخر في ثورة اكتوبر المسلحة63 م(جبهة التحرير).

 

إننا نعيش في وضع صعب ومعقد صنع لنا أعداء حرية واستقلال وطننا خصوماً من أنفسنا، كما أن هناك أعداءاً آخرين متربصين بنا؛ ظاهرين ومتخفين، الأمر الذي يتطلب من أجهزتنا الأمنية، التي لا نشك في وطنيتها وإخلاصها، أن لا تدخر جهداً في تحري الدقة في إلقاء التهم ، وفي اللجوء إلى  الطرق القانونية في القبض على المطلوبين، وكذلك في طريقة التعامل معهم ومع أهلهم، وذلك حتى لا يجدون للأعذار سبيلاً يبررون بها تماديهم في غيهم  وغلوهم، بل وتصبح العودة إلى جادة الصواب مُلزِمةً بالنسبة لهم.

 

وتظل، في رأينا،  معالجة السبب هي الطريقة المُثلى، للقضاء على العلة، لأن النتائج تنتهي بزوال أسبابها. فالأسباب، وإن أجهدنا البحث عنها، هي محدودة. أما النتائج، وإن كثُرَت فسهل معالجتها ومقدور عليها.

 

إننا قادمون على بناء وطن حر ومجتمع مدني يستند على النظام والقانون، يجب أن تكون حقوق كافة أبنائه مصانة فيه، لأن بناء هذا الوطن يحتاج إلى جهود الكل. وكذلك، لأن الأوطان الحرة لا يبنيها إلا مواطنون أحرار.

 

تمنياتي للوطن(الجنوب) وأبنائه سنةً جديدة يحفها الأمن والأمل والعمل