ما الذي تفكر إيران فيه، وهي ترى الحبل يطوق رقبتها، والعقوبات القائمة والقادمة، تكاد تنهي مشروعاً استمر أربعة عقود، لم ينتج عنه سوى تعميق الأزمات إقليمياً، وتشجيع الإرهاب دولياً، وتعاظم المخاوف في الحل والترحال؟
باختصار غير مخل، يبدو الخيار الوحيد أمامها، وهي ترى الإصرار الأميركي الماضي قدماً على تصفير تصديرها للنفط، هو السيناريو «شمشون»، أي محاولة إلحاق أكبر أذى بالآخرين، حتى وإنْ كلفها ذلك سقوط أعمدة المعبد الإيراني المتهاوي بالفعل، على رأس الملالي.
يدرك الإيرانيون أن دونالد ترامب، ليس باراك أوباما الرجل الزئبقي، والذي ستكشف الأيام أبعاد تورطه مع جماعات الإسلام السياسي تارة، ومع حكام إيران تارة أخرى، فترامب قادم من خارج الدائرة السياسية التقليدية الأميركية، وغير محمل بجمائل أو شمائل لأحد، ولهذا يفعل ما يقول، ويقول ما يفعل، وحين يؤكد على أن نظام الملالي لابد له من تغيير مساراته، فإن ذلك يعني أن على الإيرانيين تعديل وتبديل توجهاتهم بالفعل، وإلا فالقادم سيكون أسوأ.
يدرك الأميركيون والعرب والعالم برمته أن نظام إيران نظام ثيولوجي، كارثته أنه يؤمن بامتلاكه للحقيقة المطلقة، وعلى هذا الأساس، فإن أحداً لا يتوقع أن يغير القائمون على الأمر هناك من توجهاتهم، بل ها هم يعدون العدة لنقل معاركهم إلى بقية أرجاء الشرق الأوسط، والخليج العربي، ونشر إرهابهم في كافة بقاع وأصقاع الأرض ضمن السيناريو السالف ذكره.
يتساءل الكثيرون مؤخراً عن سر تحرك قوات وقطع بحرية عسكرية أميركية ثقيلة من حاملات طائرات وفرقاطات وسفن حربية، وكأن الحرب على الأبواب، وما الداعي إلى ما يجري على الأرض؟
الجواب قد يكون يسيراً، فهناك من المعلومات المتوافرة للأميركيين عبر مصادر استخباراتية بعضها من عناصر بشرية على أرض المنطقة، وبعضها من حلفاء مثل إسرائيل، وأخرى من خلال الشبكات السيبرانية الأميركية، التي تلتقط الشاردة والواردة حول العالم عبر نظام «ايشلون» القليلة معلوماته والكثيرة أسراره، وهذه وتلك تؤكد على أن إيران قد بدأت بالفعل في الإعداد لمواجهاتها القادمة مع الأميركيين، سواء في الخليج العربي أو البحر الأبيض المتوسط.
قبل السؤال كيف، ربما يتوجب علينا التذكير بأن هناك مثلثاً للشر في المنطقة، مثلث لديه من الكراهية العرقية والتاريخية للعرب الكثير، تبدأ أضلاعه من عند إيران، وتمضي إلى تركيا، وتستقر وتستمر عند قطر، ذلك الخنجر المسموم في الخاصرة العربية والأممية، والمثير أن ثلاثي الشر المتقدم، يضع ليبيا نصب أعينه، وكل منهم لديه أهدافه ورؤاه وخططه، وقد نوفر الحديث المطول عن قطر وتركيا لاحقاً، ونتساءل الآن عن إيران، وما الذي تفعله في ليبيا ولماذا؟
في الأيام الأولى من شهر مايو الجاري، كانت سفينة إيرانية «شهر كرد» تحمل حاويات بها نحو 20 ألف صاروخ من مختلف الأحجام والأنواع، ترسو في ميناء مصراتة الليبي، حيث الميليشيات هناك موالية لجماعة الوفاق الليبية، وكلاهما على شراكة جذرية مع الجماعات الإرهابية، سواء من «الإخوان» القائمين هناك منذ زمان وزمانين، والذين تقوم قطر سراً وجهراً بتمويلهم والإغداق عليهم، بل إنه ابتعثت رجالات القاعدة من نوعية عبد الحكيم بلحاج إلى هناك لإدارة البلاد، أو بمعنى أدق تنفيذ أجندتها الخبيثة في طريق التمكين للتيارات الإسلاموية الإرهابية من القبض على زمام الأمور مهما كلفها الأمر من إنفاق.
أما الأتراك، فانهم من يقومون بنقل من يسر لهم سبل الهروب من العراق وسوريا بعد اندحارهم هناك، والهدف جعل ليبيا مركزاً متقدماً في شمال أفريقيا، وتالياً تصدير موجة ثانية من «الخلافة» إلى مصر، ثم اختراق أفريقيا.
باختصار، يدرك الإيرانيون أن واشنطن جادة في تصفير عداد نفطهم، وأن البديل الجاهز في المدى الزمني القريب والمتوسط يتمثل في ليبيا ونفطها الجيد من حيث الخامات، والرخيص بالنسبة للتكلفة، ولهذا فان صواريخ إيران باتت تستبق المعركة، بمعنى أن طهران تتهيأ للتلاعب بأسواق النفط العالمية، عبر إفساد السيناريو الأميركي الخاص بنفط ليبيا.
يدرك الإيرانيون أيضاً أن هناك دعماً أميركياً بنوع خاص لقوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، من أجل تطهير الجزء الغربي في البلاد من الإرهابيين، حيث يكثرون رسمياً في طرابلس ونواحيها، ومعنى بسط السيادة الوطنية على طرابلس، هو وضع اليد على كل النفط، وبالتالي يكون الحصار على إيران أمراً ممكناً جداً، وأي تلاعب في مسارات النفط الدولية عبر مضيق هرمز، مردود عليه أولاً من حيث النفط البديل، وثانياً من خلال القوات الأميركية غير المسبوقة من أيام حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت عام 1990.
هل وصلت إيران حد الانتحار؟ ولم يتبق منها سوى إطلاق صرخة الطائر الذبيح، أم أنها تسعى لأعلى قدر ممكن من التصعيد، بهدف واحد هو التوصل إلى صفقة جيدة على الأقل بالنسبة لها مع ترامب؟
الاتحاد