ماجد الداعري يكتب:
مأرب الاستثناء الشمالي الوحيد في الحربة ياهؤلاء!
فتحت مشاورات الملف الاقتصادي المتعثرة بالعاصمة الأردنية،أطماع الحوثيين على تقاسم موارد الدولة مع الشرعية،لتحضر مأرب بقوة على طاولة أطماع الجانبين،غير مدركين بحجم التضحيات الجسيمة التي قدمتها مأرب برجالها،كثمن لحريتها وانعتاقها اليوم من اقصاء وتهميش المركز المقدس بصنعاء وفكاكها اليوم ايضا من فشل وتبعية حكومة عدن العاجزة حتى عن صرف مرتبات كل موظفي الدولة التي تزعم شرعية حكمها دون سواها.
كنت في مأرب وشاهدت بأم عيني جانباً من التضحيات التي قدمها أشراف وقبائل مأرب وكل رجال وشباب القبائل المأربية في سبيل تحرير محافظتهم من مليشيات الحوثي ودحرها من مناطق توغلهم فيها وكيف كان الجميع يتجهون اسرابا إلى الجبهات للتصدي لذلك الغزو المليشياوي المستميت.
وسمحت لي اقداري ان اتجول يومها في اكثر من منطقة ملتهبة بمارب وعلى جانبي الطرق الرئيسة لأرى بعض مشاهد البطولات المأربية المشرفة للاجيال اليمانية حجم الاستبسال القتالي لجموع شبابية اجبرت على حمل الاسلحة وخوض معارك بطولية مشرفة تكللت بالتصدي لهجمات المليشيات التي وصلت يومها ولأول مرة إلى ساحة مستشفى مأرب ومحيط مقر قيادة المنطقة العسكرية الثالثة التي أعلنت الاستنفار القتالي يومها بقيادة اللواء القائد الاستثنائي الشهيد الشدادي عليه رحمة الله تغشاه وردت الصاع بصاعين وخرجت بكل قواتها للتصدي للاعداء ودحرهم من محيط مدينة مأرب وملاحقة فلولهم بعدها إلى جبال صرواح التي مايزالون يتخذون من وعورة تضاريسها آخر ملاذا لهزيمتهم الماحقة والمذلة بمأرب ويصرون على البقاء هناك للتذكير فقط ،بين الفينة والاخرى، باستمرار وجودهم من خلال قصف عشوائي على أطفال او مدنيين اومصلين بجامع كما حصل في أكثر من واقعة حزينة.
نعم استبسل أبناء مأرب بمختلف قبائلهم وقدموا تضحيات كبيرة واستشهد أعداد كبيرة من خيرة قادتهم ورجالهم وشبابهم في سبيل الله والدفاع عن أرضهم وحريتهم واستقلال محافظتهم عن الطامعين بخيرهم والساعين لابتلاع ثرواتهم على حسابهم وأولوية أهلهم وكان لهم ما أرادوا في الأخيرة.
أقمت عدة أيام مع أقارب لي بقرب مستشفى مأرب وكنت أرى يومها أعداد الجرحى وأطقم الاسعافات وهي تتردد على المستشفى بالساعات،وطوال الليل والنهار،حاملة المصابين في جبهات العز والشرف.
وبالمقابل كانت مواكب المقاتلين المتجهين نحو الجبهات أكثر بكثير وجلهم من الشباب المتعلمين والرجال المتنورين،وبعد أن بتزودوا بالرشاشات والذخيرة وبعض مؤن الحرب وزاد المقاتل.
وبالصدفة استوقفت أحد الفتية الشباب،قرب سوق للقات بالمدينة وهو يستعد للصعود برشاش قناص بدى أطول منه،على متن طقم عسكري يستعد للتوجه نحو الجبهة المشتعلة يومها على تخوم مدينة مأرب وسألته مستغرباً: إلى أين يارجال؟
فرد لي بكل شجاعة وثقة وعزيمة:إلى جبهة الجهاد؟
أضفت متسائلاً بصيغة مستغرب من صغر سنة مقارنة بحجم السلاح الذي يحمله وقلت: أي جهاد يا أخي وايش عليك أنت بهذا العمر من الجهاد؟
فرمقني هو ومن حوله بنظرة اشمئزاز وازدراء قائلين: وايش تشتيني نستقبل الحوثي الرافضي وبلاطجة عفاش بالورود في مأرب ..والله مانستقبلهم إلا بالنار الحمراء والحديد، وضرب بيده على مؤخرة سلاحه في تأكيد على قوة عزيمة القتال لديه دون أي اعتبار لعمره أو المستقبل الذي ينتظره طالما تعلق الأمر بقدسية الأرض والكرامة والحرية.
شعرت بمرارة الحرب وويلاتها وحجم المآسي التي تخلفها بعد أن استنفذت كافة مستشفيات مأرب طاقتها الاستيعابية ذات يوم وعجزت حتى الممرات والطواريد عن اسقبال الجرحى وجثث الشهداء بينما قذائف الموت الحوثية قد وصلت لاول مرة،يومها الى محيط اكبر مستسفيات المدينة وكاد الجميع أن يغادره اعتقاداً أن المليشيات قد أصبحت قاب قوسين من الوصول اليهم والسيطرة على ذلك المشفى الحكومي الذي قدم لجرحى تحرير مأرب،وحده،مالم تقدمه كل وزارة صحة الشرعية ومستشفياتها مجتمعة بالجمهورية، والمؤسف والمؤلم في آن واحد أن تلك الحرب قطفت أرواح خير قادة واحرار مأرب وكان للشباب النصيب الأكبر بين الجرحى المتضررين بشكل اكبر من ظلم مأرب وتهميشها ونهب خيراتها.
حدثني ابن خالي الذي كان جنديا في أمن نقطة عسكرية بمدخل مدينة مأرب قبل أكثر من سبع سنوات تقريبا - وفي عز حملات التشويه الممنهجة التي كانت تستهدف ابناء مارب وتحاول الانتفاص منهم والاساءة الى تاريخهم ومواقفهم الاصيلة وتشويه سمهتهم وتصويرهم وكأنهم مجرد مجاميع من المخربين المرتزقة أو قطاع الطرق أو القبائل المتناحرة مع بعضها - واقسم بالله بأن كل المسؤلين الحكوميين والقيادات ومشائخ ووجاهات ورجال القبائل بمأرب كانوا يتوقفون أمام النقطة بكل بساطة وانتظام ويسلموه أسلحتهم المختلفة بكل ترحاب ورضا، قبل دخولهم إلى المدينة وكعادة أصيلة تجرم ارتكاب أي جريمة في السوق وتثبت مستوى انضباطهم وتقيدهم بأي خطوات إنقاذية تحاول انتشالهم من براثن الثأر ونيران الموت وجحيم القتل والاقتتال المسقى برغبات الحاكم السابق ورجال نظامه البائد.
وختاماً ..لاتنصبوا العداء وسوء الظن لمارب ورجالها فهم خير من يستحقون شرف المسؤولية وادارة الدولة ان وجدت،بعد ان أثبتوا للجمبع انهم رقما صعبا ورجال تضحية واستبسال يستحيل تجاوزهم بعد اليوم ولا تستكثروا على مأرب حقها المشروع في نيل بعض حقوق أهلها المغبونة منذ عقود ماضية أوتحسدوا اهلها على تمتعهم ببعض خيرات أرضهم -المصادرة منهم ظلما وقهرا -منذ زمن اكتشافها،ولكن يمكنكم بالمقابل التعلم منهم والاستفادة من تجاربهم الوطنية ووحدتهم النضالية وتكاتف صفهم المأربي في سبيل حريتهم وإدارة دولة محافظتهم الأبية بدلا من توجيه خطاب الهجوم المناطقي غيرالمبرر لمأرب وأهلها ونصب العداء والخصومة البلهاء لرجالها واحرارها المتعايشين مع الجميع والمتقبلين للجميع دون أي تمييز مناطقي أوإستثناء جغرافي وكانت الاستثناء الشمالي الوحيد في تحرير الأرض والانتصار للحرية.