هاني مسهور يكتب:

النظام الإيراني والفرصة الأخيرة

أربعون عاماً يحصدها النظام الإيراني ضغطاً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً هائلاً، وصل إلى حد أن النظام الإيراني لم يعد قادراً على التعامل مع الضغط الأمريكي الذي فرض طوقاً ضيقاً على رقبة النظام، انعكست اختناقاً واضحاً في تصريحات القيادة الإيرانية، بشقيها السياسي والعسكري، فبين تصريح متشدد وبين آخر متردد، تنازلت فيه إيران عن شعارات أربعة عقود من دعواتها الموت لأمريكا، واستعدادها لضرب واشنطن بالصواريخ، إلى شعارات ترغب بأن يمنحها الرئيس ترامب ولو فرصة لحفظ ماء الوجه للملمة، ما يمكن أن يغطي الضعف الإيراني في مواجهة الصرامة الأمريكية.

تسارعت التطورات في الملف الإيراني بأكثر مما كان متوقعاً، على الأقل من جانب المحور الإيراني، وقف الاستثناءات لمبيعات النفط الإيراني، أكدت التزام الرئيس ترامب بسياسة (تصفير) بيع النفط، وهو تأكيد على أن الحصار الأمريكي يحمل جدية كاملة، وأن الأسوأ هو ما حدث مع الإيرانيين الذين فقدوا مساحة المناورة، التي لطالما وجدوها في كثير من أزماتهم، واستطاعوا من خلال تلك المساحة المراوغة وتحقيق المكاسب التي تضمن لهم توفير أرضيات، لطالما انتهزها النظام الإيراني ليمارس ما اعتاد عليه في أربعة عقود.

مع تضييق الولايات المتحدة الخيارات أمام الإيرانيين، برز التخبط في تصريحات المسؤولين الإيرانيين، ولعل اتهام المرشد الأعلى خامنئي لكل من الرئيس روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف، بعدم تنفيذ أوامره حول الاتفاق النووي، تعتبر سابقة في تاريخ الحقبة الخمينية من حكم إيران على الأقل، فما وصل له الوضع الإيراني من ضغوط، أفقد الإيرانيين امتيازهم في سياسة المناورة، فلم تنجح محاولة امتصاص حقيقة الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، لتجد إيران نفسها أمام حقيقة (تصفير) صادراتها النفطية، وعدم قدرة شركاء الاتفاق النووي على إيجاد مخرج ينقذها من العقوبات الأمريكية.

الوساطات هي الأخرى أظهرت فقدان إيران لعنصر المناورة، ففي حين تشدد الإيرانيون في بداية الأزمة، وفرضوا ستين يوماً أمام الاتحاد الأوروبي لمراجعة التزاماتهم تجاه الاتفاق النووي، عاد وزير الخارجية جواد ظريف، ليقدم عرضاً لدول الخليج، بتوقيع معاهدة عدم اعتداء، الوساطات المتعددة، عربية كانت أو دولية، ستقف عند العرض الإيراني في دهشة من هذه القفزة على متطلبات أساسية، لا بد لها أن تسبق الوصول إلى توقيع معاهدة تتطلب حسن النوايا بين الطرفين، ولا تبدو إيران تملك ما يمكن أن يشفع لها أمام الخليجيين الذين تضرروا من سياساتها.

الاستراتيجية الأمريكية جعلت إيران أمام الخسارة أو التنازل، استراتيجية وإن حاول البعض اعتبارها أنها سياسة عض الأصابع، أو الدفع نحو الهاوية، فالواقع يقول إن الولايات المتحدة هي التي تعض الأصابع الإيرانية، بل ولا تكترث بحجم البكاء والصراخ الصادر عن قيادات إيران، والولايات المتحدة هي التي تدفع بالإيرانيين إلى الهاوية، ولا تكتفي بتخويفهم عند دفعهم إلى حافة الهاوية، بل هي تعمل على إسقاطهم فيها.

تريد إيران، في ظل الضغوط الأمريكية، للوصول إلى طاولة مفاوضات غير مباشرة مع الأمريكيين، وهذا ما يبدو أنها لن تجده عن طريق الدول الخليجية، التي تتحصن عبر «قمم مكة» الثلاث، التي ستحدد مواقف صارمة تجاه، ليس فقط إيران، بل كافة الدول الطامعة في العالم العربي، لذلك، تبدو قمتا مكة (الخليجية والعربية)، نقطة الاختبار، التي من خلالها يمكن قراءة ما ستذهب إليه صلابة الموقف العربي، الذي يعتبر هو المتضرر الأكبر من السياسات الإيرانية في أربعين عاماً مضت.

راهنت إيران على قدرتها في المراوغة عبر أذرعها المزروعة في العالم العربي، ذلك الرهان لا يبدو قادراً على إنقاذها من القبضة الأمريكية، الخيبة الإيرانية بدأت بفشل مليشيا الحوثي باليمن في هزيمة المقاومة الجنوبية، في محاولتها اليائسة العودة إلى غزو مدينة عدن، ونقل الصراع من مضيق هرمز إلى باب المندب، إلا أن الحوثيين تلقوا هزيمة مذلة، ما دفعهم، بإيعاز من الحرس الثوري الإيراني، لاستهداف المنشآت المدنية السعودية، في محاولة تظهر الضعف لتغيير التوازنات التي يحاول النظام الإيراني توفيرها لمواجهة الضغط الأمريكي القائم.

لن تتوفر فرصة أخرى تماثل هذه الفرصة السياسية السانحة، لينصاع النظام الإيراني ويمتثل للمطالب الدولية، بأن يتحول لنظام سياسي تقليدي، ويخرج من إطار الأيدلوجية ومنهجية تصديرها للجوار العربي، إيران تواجه واحدة من منعطفات التاريخ السياسي، التي يجب أن تستثمر عربياً، بما يضمن تحقيق أعلى درجات الأمن والاستقرار، الدوافع العربية يجب أن تستحضر في قمم مكة الثلاث، باعتبار وضع حد نهائي للتهديد الإيراني، وتحميل نظام إيران تكلفة التعويضات المالية لتبعات ما تحملته اليمن وسوريا والعراق ولبنان من خسائر اقتصادية، باعتراف الإيرانيين، أن عواصم هذه الدول تابعة لمشروعهم.

قيامة إيران في مواجهة حصاد سنوات الدم التي زرعتها بالكراهية والتحريض والطائفية، سنوات طويلة، ركب فيها الخميني صهوة الإسلام السياسي، وصنع مرحلة دموية، عطلت التنمية، واستبدلتها بحروب وصراعات، تماماً كما كان هتلر في أوروبا، وما جناه العالم من النازية في القرن العشرين.