د. ياسين سعيد نعمان يكتب:

بعض الملاحظات عن زيارة ترمب لبريطانيا

إنهى الرئيس الأمريكي ترمب زيارته الرسمية لبريطانيا ( state visit) ، وهي الزيارة التي تطلع إليها كثيراً ليقطع ، كما قال ، دابر المعارضين لها من البريطانيين الذين لم يرق لهم أن يفرش له السجاد الأحمر كتعبير عن القيمة المعنوية لهذا النوع من الزيارات ، حينما يكون الحديث عن القيم المشتركة للدول الديمقراطية حاضرة عند تقييم مدى إلتزام الضيف بهذه القيم وتمثله لها . زيارات الدولة بهذا المستوى قليلة جداً في البروتوكول البريطاني ، وترتبط في الأصل بشروط إضافية إلى جانب مستوى العلاقات الثنائية . 
اليسار البريطاني ومعه قطاع واسع من الليبراليين ومنظمات المجتمع المدني ، وحقوق الانسان ، وحماة البيئة لديهم مآخذ على ترمب وخاصة عندما يتعلق الامر بحماية البئة والتشجيع على الكراهية إلى غير ذلك مما يسوقونه من مآخذ .
إنقسم المجتمع البريطاني حول الزيارة : ففي حين شهد قصر بكنجهام ، ووست منستر ، وعشرة داوننج ستريت احتفالات غاية في الأهتمام بالزيارة ، تخللتها كلمات ومؤتمر صحفي عرض فيه الرئيس الامريكي فرصاً لتعويض بريطانيا عند خروجها من الاتحاد الأوربي ، والاشادة بالعلاقات الإستراتيجية الثنائية بين البلدين مذكراً بتحمل البلدين مسئولية مواجهة النازية في الحرب العالمية الثانية ، وإنزال نورماندي التاريخي الذي شكل بداية تحرير أوربا ، في حين تحرك الشارع بمسيرات كبيرة ضد الزيارة لأسباب اعلنوا عنها تجعل قبول بريطانيا للزيارة بهذا المفهوم مناقض ، من وجهة نظرهم ، لما عرف عنها من شروط .
هون ترمب من أهمية المعارضة ووصف الحديث عنها بال fake news . 
وفي سياق حديثه الطويل العريض عن الاتفاقيات المذهلة التي ستتم بين البلدين بعد الانسحاب من الاتحاد الأوربي ، لم يعلق البريطانيون كثيراً ، سأله الصحفيون ببساطة عما سيكون موقفه من الخدمات الصحية البريطانية NHS ، الذي يعد واحداً من أهم المنجزات على الصعيد الاجتماعي والذي يتمسك به البريطانيون ، لم يكن قد سمع بهذا الاسم كما بدا عليه الأمر ، فسأل رئيسة الوزراء التي شرحت له معنى ال NHS , فرد بأن كل شيء يجب أن يكون على الطاولة ، مما أفقد حديثه عن " الاتفاقات المذهلة" المتوقعة معان كثيرة .
علق البعض قائلين بأن بريطانيا مع الاتحاد الاوربي مخيرة ، ومع الولايات المتحدة مسيرة .. بمعنى أن خياراتها مع الاتحاد الاوربي مسموعة ومهابة ، أما مع أمريكا فليس لديها خيارات . 
يثار هذا الجدل في وقت تزداد فيه حدة الازمة السياسية باستقالة رئيسة الحكومة وتصاعد الموقف تجاه تدخل الرئيس الامريكي في الشأن الداخلي البريطاني من خلال تعليقاته المتعددة حول من يصلح وئيساً للوزراء ، والتحريض على خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي . 
لم يتوقع البريطانيون أن يأتي هذا الزمن الذي أصبح فيه ممكناً أن يسمعوا تدخلاً مباشراً في شأنهم الداخلي من دولة أخرى ، حتى وهي حليفة بمستوى أمريكا، بإمكانهم بالطبع إمتصاص ذلك بماعرف عن ترمب من عدم مراعاة البروتوكول ، غير أن تحفظ السياسي المحافظ بوريس جونسون من اللقاء به قد عكس حساسية المسألة لدى الشعب البريطاني لا سيما بعد أن أعلن ترمب تأييده لجونسون في أن يخلف "ماي " كزعيم لحزب المحافظين ومن ثم كرئيس للحكومة .
يوم الجمعة القادم ستخلي "تريزا ماي" مكانها كزعيمة لحزب المحافظين ، وسيبدأ السباق نحو قيادة الحزب ورئاسة الوزراء بين أكثر من ١٢ مرشح تقدموا لملئ الشاغر .