عماد الدين أديب يكتب:

«الرصاصة أصلها فكرة شريرة»!

75 عاماً مرت على تحرير قوات الحلفاء لفرنسا عبر «معركة المعارك» في الحرب العالمية الثانية المعروفة بموقعة «ساحل نورماندي».

يوم 6 يونيو 1944 هو يوم هبوط وإيواء 150 ألف جندي أمريكي وبريطاني وكندي مع قوات مشتركة من التحالف ضد النازية على خمسة مواقع مختلفة على سواحل فرنسا.

الرصاصة تصل إلى صدورنا وصدور أبنائنا؛ لأننا لم نحاربها في المهد حينما كانت «جنين فكرة شريرة مغلوطة» في عقل وقلب شباب تم تضليله وإدخاله في أنبوب غيبوبة فكرية، لذلك كله يجب أن نحاربهم أينما كانوا ومهما طال الزمن ومهما كانت التكاليف

اشترك في هذه الحرب 3 ملايين مقاتل من كافة الأطراف و6900 قطعة بحرية، وفي موقعة نورماندي ذاتها قتل 3200 جندي وضابط من الحلفاء.

هذه المعركة شاركت فيها 4100 سفينة إنزال بحري، وشاركت فيها 12 ألف طائرة مقاتلة، وأدى النصر فيها إلى تحرير فرنسا وافتتاح الطريق إلى تحرير برلين والقضاء على النازية.

كان أبرز جنرالات هذه الحرب: دوايت أيزنهاور، جيرد فون رونتشتيت، برنارد مونتجمري، إرفين روميل، بترام رمزي يدركون أنها حرب لا تحتمل ربع فوز أو نصف هزيمة، وأن الفوز فيها لا بد أن يكون بالضربة القاضية الكاسحة.

هذه الحرب كانت ما تعرف بحرب الضرورة، لأنها كانت رد الإنسانية على فكرة شريرة مضادة للإنسانية اسمها النازية!

دخلت الولايات المتحدة هذه الحرب بعد ضربة الطيران الياباني لها في جزر هاواي المعروفة بموقعة «بيرل هاربر».

كانت الولايات المتحدة وقتها تؤمن بأن الجغرافيا البعيدة تحميها، وتؤمن بأن أمريكا يجب أن تكون وحدها، لذلك ظلت معظم وقت صراع قوات النازي مع أوروبا والعالم شبه محايدة، غير مشاركة، حتى أدركت أن «الشر البعيد إن لم تقاومه اليوم سوف يصل إليك -حتماً- غداً».

وكان الجنرال «ماك آرثر» أحد أهم جنرالات المؤسسة العسكرية الأمريكية دائماً يقول لجنوده: «حاربهم في أرضهم قبل أن تجدهم في غرفة نومك»!!

لماذا تحارب مع غيرك، لصالحه، من أجل تحرير أرضه وليس أرضك؟

هذا السؤال احتار فيه كبار أساتذة الاستراتيجية العسكرية منذ «صن تسو» في الصين قبل الميلاد إلى جنكيز خان، إلى نابليون إلى روميل ومونتجمري إلى ماك آرثر إلى جورج بوش الأب، الذي اتخذ قراره التاريخي بإرسال قواته لتحرير الكويت وحماية السعودية.

الجميع، وبطرق مختلفة وبمفردات مغايرة وصلوا في النهاية إلى نتيجة واحدة:

«تأمين بيتك لا يبدأ من حدودك الدولية فقط، ولكن يبدأ من العدو المحتمل البعيد».

وصلوا أيضاً إلى أن الرصاصة لا تنطلق وحدها ولكن تحركها فكرة شريرة تؤدي إلى الضغط على زناد المسدس أو صاروخ الإطلاق أو الألغام البحرية.

وصلوا أيضاً أن الأيديولوجيا هي التي تحرك حديد السلاح وليس العكس لذلك حارب الفكرة قبيل أن تتحول إلى رصاصة تتجه إلى صدرك.

النازية، الصهيونية، البعث، الأحزاب الدينية، الإرهاب التكفيري، الجنون الطائفي، التطرف المذهبي، جميعها تؤدي إلى نتيجة واحدة شريرة وهي إفناء الآخر والتخلص منه.

كل هذه الأفكار لا تعترف بوجود الآخر الذي يمكن الاختلاف معه بشكل فكري سلمي، ويمكن التعايش مع وجوده.

هذه الأفكار تقوم على مبدأ وعقيدة: «أنا وحدي صاحب الحق المطلق والصواب اللانهائي، وغيري هو الجحيم الذي يجب التخلص منه بأي ثمن».

الرصاصة تصل إلى صدورنا وصدور أبنائنا لأننا لم نحاربها في المهد حينما كانت «جنين فكرة شريرة مغلوطة» في عقل وقلب شباب تم تضليله وإدخاله في أنبوب غيبوبة فكرية.

لذلك كله يجب أن نحاربهم أينما كانوا، ومهما طال الزمن، ومهما كانت التكاليف.

أولى خطوات الحرب حرب الأفكار!