عماد الدين أديب يكتب:
في تركيا وأردوغان.. نختلف مع عمرو موسى!
عشت حياتي أؤمن بأن كل قضية قابلة للنقاش وكل إنسان قابل للجدل أو المساءلة، حتى لو كان الأستاذ عمرو موسى!
الدبلوماسي المخضرم، والسياسي البارع، بالنسبة لي له احترام في النفس ومكانة في القلب، لكن حينما يكون هناك "اختلاف في الرأي"، فيجب ألا تقف المحبة عائقاً أمام إبداء الرأي، والتجرؤ على مناقشة "أستاذي".
لا يخفى على الأستاذ عمرو موسى أن أردوغان أعاد شعار الدولة العثمانية كشعار رسمي للدولة، وأنه تعرّض للسجن عام 1998 بتهمة "الكراهية الدينية واعتبار أنصاره جيشاً مقدساً يحرس الدين"
سبب كلامي هذا هو ما جاء في مقابلة الأستاذ عمرو موسى، مع الأستاذ عمرو أديب منذ أيام في برنامجه المتميز "الحكاية".
جاء في الحوار جزء خاص حول رؤية الأستاذ عمرو موسى حول: طبيعة الدور التركي في المنطقة، وكيفية التعامل معه، وتفسير سياسات أردوغان في أماكن التوتر الحالية.
ولقد أثارتني للغاية رؤية الأستاذ عمرو موسى للدور التركي وشخصية أردوغان، التي تعطي -للوهلة الأولى- تبريراً لما يفعل، وتفسيراً منطقياً لمغامراته العسكرية، ولوماً خفياً، لأننا (أي معسكر الاعتدال)، لم نفهمه بالقدر الكافي، الذي يجب أن يؤدي إلى استيعابه!
فجأة القاتل هو القتيل، وأصبح المتهور هو العاقل، وتحول الفاعل إلى مفعول به!
تعالوا نناقش ما تفضل به الأستاذ عمرو موسى في تلك المقابلة:
خلط الأستاذ عمرو موسى بين أهمية دور تركيا كموقع حاكم واستراتيجي، وقوة اقتصادية، وقدرة عسكرية، وأهمية تاريخية ودور إقليمي، وتأثير إسلامي، وعلاقات دولية، وبين رفض المنطقة غطرسة القوة لدى أردوغان.
تركيا الدور والتاريخ ليست -بالتأكيد- تركيا التهديد والمغامرات والتدخل في شؤون الغير، التي نعاني منها هذه الأيام.
تركيا ليست حزب العدالة والتنمية فقط.
وحزب العدالة والتنمية ليس وحده الحكم والحكومة.
والحكومة ليست الرئيس رجب طيب أردوغان وحده دون سواه.
تركيا ذات الـ79 مليوناً، وذات الموقع الحاكم في مضايق البوسفور والدردنيل، وصاحبة القوة الاقتصادية الصاعدة، وصاحبة ثاني أكبر قوة برية في حلف الناتو، وذات التاريخ المشترك في المنطقة لمدة 400 عام من الخلافة العثمانية، هي بلا شك دولة، وشعب، ودور لا يمكن إلغاؤه ولا تجاهله، ولكن أيضاً لا يمكن القبول بابتزازه وغطرسته إذا تولى مقاليد الحكم فيه حاكم مصاب بخلل في الإدراك، وتطرف ديني وصل إلى العنف والتوسع والامتداد العسكري.
هذه هي تركيا المفيدة، أما تركيا المضرة السلبية، فهي "تركيا أردوغان" التي تتبع سياسات شريرة تهدد الأمن القومي للمنطقة عبر سياسات الابتزاز السياسي، والقرصنة البحرية، والاستيلاء على ثروات الغير، والتدخل في شؤون دول المنطقة.
يطالبنا -ضمناً- الأستاذ عمرو موسى بالتفاهم وبعدم تجاهل الدور التركي. وهنا نسأل عقل وضمير الدبلوماسي العربي المخضرم:
1 - ألم يكن أردوغان هو الذي قام بالهجوم على مصر ورئيسها وجيشها عقب ثورة 2013، التي كان الأستاذ عمرو -شخصياً- طرفاً مؤيداً بقوة لها؟
2 - ألم يختر أردوغان جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي وفضّلهما على علاقاته بمصر والسعودية والإمارات؟
3 - ألم يفضل أردوغان دعم قطر والوقوف بقوة خلفها في خلافها مع دول التحالف العربي، ضارباً عرض الحائط بمصالح بلاده بهذه الدول؟
4 - ألم يرسل أردوغان قوات النخبة التركية إلى الدوحة لحمايتها، ولتصبح قوة أمن النظام؟
5 - ألم يبنِ أردوغان قواعد في سوريا والعراق وجيبوتي والصومال، وكان يسعى لقاعدة في سواكن بالسودان، وأخرى في طرابلس من أجل محاصرة قوى الاعتدال في المنطقة؟
6 - ألم يشكل أردوغان محوراً مع إيران للتنسيق الأمني في المنطقة؟
7 - ألم يتحول الجيش التركي القوي من قوة دعم للمنطقة إلى قوة تدخل واحتلال في كركوك والموصل وإدلب وطرابلس والدوحة وجيبوتي؟
8 - ألم يسعَ أردوغان إلى دعم إثيوبيا في تشددها الأحمق في ملف سد النهضة؟
9 - ألم تقم أدوات التسويق السياسي التركية في الولايات المتحدة وأوروبا بتشويه صور زعامات السعودية ومصر والإمارات وسعت للاغتيال المعنوي لزعامات هذه الدول؟
10 - ألم تقم تركيا بابتزاز السعودية بملف تصعيد أو تهدئة قضية اغتيال الزميل جمال خاشقجي رحمه الله، من أجل صفقة مالية مشبوهة؟
11 - ألم تسعَ تركيا إلى احتضان التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، وتوفير كل أشكال الدعم له؟
12 - ألم تقم تركيا بنقل وتسليح 6 آلاف إرهابي تكفيري من سوريا إلى ليبيا، بما فيه من تهديد مباشر للأمن القومي المصري؟
13 - ألم يسمع الأستاذ عمرو موسى محاضرة أردوغان الشهيرة في حزبه الحاكم عام 2001 التي أعلن فيها رؤيته لـ"تركيا الكبرى" التي تستعيد فيها نفوذها على الولايات العثمانية السابقة؟ ألم يسمع الأستاذ عمرو موسى عن إحياء ذكرى إعدام الأستاذ سيد قطب بواسطة أقطاي المساعد الأول لأردوغان، ومطالبته بعودة وإحياء "الفكر القطبي لإحياء الإسلام السياسي"؟
إننا أمام ظاهرة تمارس الابتزاز السياسي بأسوأ الوسائل والأدوات، فهو يبتز الأكراد في العراق بحصة في النفط، ويبتز الحكم في دمشق بقطعة من إدلب، ويبتز اليونان وقبرص ومصر وسوريا ولبنان وإسرائيل بحصة من مخزون غاز شرق المتوسط، ويبتز أوروبا بفتح أبواب الحدود أمام اللاجئين، ويبتز حلف الناتو بتعطيل قاعدة إنجرليك، ويبتز ترامب بصواريخ "إس 400"، ويبتز الروس بصواريخ "باتريوت"!
نتفق مع الأستاذ عمرو في سعيه الدائم إلى تحسين الأداء العربي في ملفات المنطقة.
وأحب أن أعيد على الأستاذ عمرو تصريحاً علنياً مصوراً لأردوغان عام 2011، قال فيه بالحرف أمام أنصار حزبه: "بقدر ما انتصرت إسطنبول، انتصرت سراييفو، وبقدر ما انتصرت إزمير انتصرت بيروت، وبقدر ما انتصرت أنقرة انتصرت دمشق".
ولا يخفى على الأستاذ عمرو موسى أن أردوغان أعاد شعار الدولة العثمانية شعارا رسميا للدولة.
ولا يخفى عليه أيضاً أن الرجل تعرّض للسجن عام 1998 بتهمة "الكراهية الدينية واعتبار أنصاره جيشاً مقدساً يحرس الدين".
ولا يخفى على الأستاذ عمرو موسى أن الرجل أعاد العمارة العثمانية، والزي العسكري العثماني، وقرر عمل احتفال عظيم بنهاية اتفاقية "لوزان" بعد مرور مائة عام عليها عام 2023، والتي سوف يسعى بعدها للحديث عن استعادة أراضي وأملاك الدولة العثمانية.
هذا ما قاله أردوغان نفسه، وهذا ما فعله من أجل مشروع "تركيا الكبرى" القائمة على "العثمانيين الجدد"!
هذه المرة كان يجب أن يوجه الأستاذ عمرو موسى إصبعه الشهير نحو حماقات أردوغان، لذلك نسأل "معلم الدبلوماسية العربية": هل يجوز الرضوخ لمبدأ ابتزاز العالم العربي بالقوة؟
لسنا ضد تركيا، فهي ليست خطيرة كما وصفها الأستاذ عمرو، لكن الخطورة ليست في الدور التركي، وإنما في النظام الذي يقوده رجل مصاب بغطرسة القوة وعشق احتراف الابتزاز السياسي لدول المنطقة والعالم.
أقول قولي هذا، مع شديد احترامي لأستاذي العزيز عمرو بك موسى.