عمر علي البدوي يكتب:
السعودية وجدية تنويع خياراتها العسكرية
تأخذ السعودية مسألة تطوير قدراتها العسكرية على محمل الجد، وذلك استجابة لتحديات المرحلة الجديدة، وكونها تشكل واجهة الإقليم العربي بعد انسحاب وتواضع حضور عواصمه التقليدية بما ضاعف من أعباء المسؤولية عليها، فضلا عمّا تقتضيه مكانتها السياسية والدينية في منطقة مضطربة تتهافت عليها القوى الإقليمية والدولية دون اعتبار أو مراعاة لمصالح ومخاوف وهواجس أبناء المنطقة نفسها.
تلعب السعودية دورا دبلوماسيا شديد الفعالية. وتملك حضورا اقتصاديا أهّلها للجلوس مع الاقتصادات العشرين الكبرى في العالم. وتتمتّع بمكانة وجدانية أثيرة لدى ربع سكان الكرة الأرضية بفضل خدمتها للمواقع والبرامج والمراكز الإسلامية.
لكنها كانت في الجانب العسكري وترسانتها التسليحية تعتمد على عون حلفائها وما تؤمنه علاقاتها من دعم لوجستي. وأصبحت بمرور الوقت رهينة حسابات هؤلاء الحلفاء وابتزازهم ومعادلاتهم التي تنتصر لمصالحهم الضيّقة وحروبهم الداخلية وموازناتهم المحلية وليس ما تتطلبه الحاجات السعودية.
في الأسبوع الماضي على سبيل المثال، طرح أعضاء من الحزبين في مجلس الشيوخ الأميركي مشروع قرار لمعارضة جميع صفقات الأسلحة التي وافقت الإدارة الأميركية عليها للسعودية والإمارات والأردن بقيمة 8 مليارات دولار بعد أن استخدمت الإدارة قانون الطوارئ لتمرير الصفقات دون مواجهة من الكونغرس.
لكن، وفي إطار ما تنعم به السعودية اليوم من تحولات عميقة في بنيتها العملية وحساباتها الداخلية، وتطور مستوى التحديات التي تحدق بالمنطقة، وأعراض الانسحاب التي طرأت على المجتمع الدولي وقواه المركزية للتأثير في المجريات، أخذت السعودية في حسبانها تطوير قدراتها العسكرية وتوطين الصناعات الحربية وبناء تكتلات وتحالفات من نوع وثيق وجديد على أساس التحديات التي تحيط بها.
كان ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان الذي يشغل أيضا منصب وزير الدفاع، طرح في مقابلته مع قناة “العربية”، سؤالا جوهريا حين قال “هل يعقل أن تكون السعودية في 2014 رابع أكبر دولة في العالم من حيث الإنفاق العسكري، وليس لدينا صناعة عسكرية داخل السعودية؟”.
حقق هذا الاهتمام تقدما متسارعا سجلته السعودية في تصنيفات القوى العسكرية كنتيجة أولية لتوجهاتها الجديدة واستراتيجيتها التي تقوم على الاعتماد على النفس، ووضع سلسلة من الخطوط الحمراء والمحاذير الجديدة التي لا يمكن المساس بها.
تؤسس هذه الاستراتيجية للتعاطي مع تجاوزات الجيران ممن راهنوا على تحفّظ السعودية وبطء ردودها. تبدّل المزاج الراهن في الرياض ورفع من جهوزيته للتعاطي مع كل التحديات مستقبلا، مبادرا ومسؤولا بغض النظر عن مواءمات الفاعلين الدوليين ممن لا يفهمون مخاوف المنطقة ولا هواجس قاطنيها.
ليست مسألة توطين الصناعات العسكرية وحدها القرار الثمين الذي اتخذته السعودية في نهجها الجديد، لكنها عملت أيضا على اتخاذ قرارات استراتيجية، كانت تتحفظ بشأنها في أوقات سابقة، فقد استلزمت الظروف الطارئة قدرا كبيرا من الجسارة والجرأة التي لا تنقص الرياض لاتخاذها.
ربما أصبحت السعودية “قاب قوسين أو أدنى من مفاعل نووي”، وهو عنوان لمجلة ألمانية قالت إنه في الوقت الذي يلغي فيه ترامب الاتفاق النووي مع إيران من جانب واحد، فإن وزارة الطاقة الأميركية أصدرت سبعة تصاريح لنقل معلومات حساسة حول الطاقة النووية للسعودية دون إلزامها بأعمال تفتيش. وقبل أيام فقط، رخّصت وزارة الطاقة الأميركية لشركتين أميركيتين إضافيتين للقيام بتعاون في المجال النووي مع السعودية.
تخطط الرياض لبناء 16 مفاعلا للطاقة النووية على مدى 20 إلى 25 سنة القادمة. وزار الأمير محمد بن سلمان خلال جولته الآسيوية نهاية العام الماضي ثلاث محطات ذات اقتصادات عملاقة (باكستان، الهند والصين) وهي قوى نووية كذلك.
ولأن السعودية مهتمة بتنويع سلة تحالفاتها في الشأن العسكري والتسليحي بعيدا عن حسابات الحلفاء وترددهم في وقت لا تنفع معه المماطلة، فقد لوّحت بتنفيذ صفقة الـ”أس- 400” مع روسيا. وطوّرت برنامجا للصواريخ الباليستية بالتعاون مع الصين حسب ما كشفت محطة سي.أن.أن الأميركية، وربما وصلت فيه إلى مرحلة متقدمة من تطوير البنية التحتية لإنتاج الصواريخ والتقنية الخاصة بها.
هذا لا يعني القطيعة مع الحلفاء التقليديين، إذ وافق ترامب على نقل وصناعة أجزاء قنابل عالية الدقة داخل السعودية ضمن خطط توطين صناعة الأسلحة التي بدأتها المملكة سابقا، لكنه من باب التنويع والاتصال بالخيارات المختلفة لضمان الحفاظ على تفوق السعودية الدائم واستعدادها لكل الاحتمالات بما يحفظ للمنطقة شروط استقرارها.