د. علوي عمر بن فريد يكتب:
حوار بين صديقين: الهجرة أو الشهادة !ّ!
قال الأول لصديقه :اشتقت إلى وطني ولكنني لا أدري !!
من أين أبدأ حديثي عنك يا وطني… من شوقي العارم الذي لا ينتهي ولا ينضب معينه ؟!… أم من غربتي التي طالت ؟! أم من حزني وألمي على ما يجري فيك ؟
بعد أن مستك أيادي الشر وعبثت فيك الضباع ونهشتك الضواري ممن كنا نعتقد أنهم من بني جلدتنا من اليمن ؟ هل آلموك وأبكوك ؟ أم قدمك الثعالب من أبنائك قربانًا لأعدائك ليعيشوا هم.. ويرقصوا على أطلالك ورفاتك ؟!!
هل أثروا وأشبعوا جشعهم وأطماعهم من تجارة الحروب بعد أن عرضوك للنخاسين وسماسرة بيع الأوطان ؟!!
وطني إن خذلك بعض أبنائك ودنستك أيديهم.. وزاد شرهم ومكرهم وفسادهم، فلا تخف فالأغلبية من أبنائك سيموتون فداءً لترابك وهم على العهد باقون.
لا عاش من باع واشترى فيك يا وطني ولا انتكست رايتك وستظل خفاقة مرفوعة.
وطني وإن طال بعادي عنك تبقى أنت الأروع والأجمل.
وطني الغالي عذراً منك، فأنا مهما كتبت عنك فلن أُوفيك حقك ولساني يعجز عن وصفك وكلماتي تتبعثر مني حين أنطق بحروفك.
ولكنك اليوم لست بحاجة إلى الكلام بل إلى العمل وتلبية نداء الواجب نحوك .
وطني الجنوب ..جنوب الوفاء والكبرياء والصمود دمت لي فخراً وذخراً يا أغلى ما في الوجود سأعود إليك لأعيش على ثراك وأحيى أو أموت فإن مت سأموت شهيدا كواحد من أبنائك الذين لا زالوا يسقطون حتى اليوم وهم يدافعون عنك ويموتون على ثراك الطاهر ضد جحافل البغي والعدوان ..سأعود وإن حييت سأنشر المحبة والسلام في ربوعك ..وسأزرع في أرضك سنابل القمح وأغرس في حقولك أشجار الليمون والبرتقال وأبني في شعابك خلايا النحل وأزرع الورد والكادي و الفل والياسمين ولن أدعه يبكي أو يذبل أو يموت بل ينشر عبيره في شرفاتك وأسواقك .
ورد عليه صديقه بالقول :
دعك من أحلام اليقظة يا صديقي وتقبل الواقع كما هو وأعمل بنصيحتي جراحات الوطن كبيرة ولن يشفى في سنوات !!ّ
سافر يا صديقي هاجر إلى غير وطنك و عش حياتك ..و سترى شعوباً غيرنا و ستعرف وجهاً آخر للحياة. ستصدق كم كذبنا حين قلنا أننا استثناء. و ستتأكد أننا لسنا خير شعوب الأرض ولا أعرقهم و لا أطهرهم كما ندعي، وستكتشف أن بلادنا الخضراء الخصبة المباركة لم تعد كما كانت بل أصبحت حمراء قانية من دمائنا المسفوكة عبثاً. حتى أوابد وشواهد حضارتنا التليدة بعناها للصوص الآثار وهي كانت عزنا ومجدنا في العصور الخوالي !!
ستعلم أننا فشلنا بأن نتعلم كيف نحيا مع بعضنا كبشر؛ أصبحنا عبئاً ثقيلاً على أنفسنا و على الإنسانية. ستكتشف أننا لم نعد خير أمة أخرجت للناس. ..لأننا خالفنا تعاليم الله وكما أراد لنا أن نكون ..و سترى أنك وسط مجتمع يسبح في النفاق و الرياء و الكذب؛ مليء بالتناقضات و الخرافات و الأساطير الخيالية..ولا زلنا نتفاخر بالأنساب والسلالات ونمارس الفوقية والعنصرية ضد بعضنا البعض !!
سترى أننا لا نملك الحقيقة المطلقة لأسرار الكون و الدنيا و الآخرة كما نظن و لسنا وحدنا الذين نستحق الجنة إن كنا نستحقها.
ستتأكد أن لا وقت و لا طاقة و لا رغبة و لا حاجة للغرب أو الشرق في التآمر على ديننا و مذاهبنا كما نتوهم لأننا نحن من نتآمر على بعضنا و ندمر أوطاننا بأيدينا؛ حيث مازلنا نعيش في القرون الأولى خارج الزمن ولا زالت الجاهلية الأولى كامنة في قلوبنا وخناجرنا لا زالت في أعطافنا ونغدر ببعضنا في الظلام أو تحت الشمس الساطعة لا فرق!!
ستتأكد أننا لسنا في معركة مصيرية مع شياطين الكفار و قوى الشر من الأمم الأخرى.. ولكننا لا نحارب طواحين الهواء حتى ..بل نحارب أنفسنا في أحسن الأحوال.
سترى أننا أسأنا لديننا أكثر من أعدائه المفترضين و ستكتشف أن لا أحد من رجال الدين يمتلك تفويضاً أو مرسوما أو صكا إلهيا أو وكالة عامة من الله كما يدعي بعض أصحاب السلالات التي عاشت معنا .. لا زالت مسكونة بالتفوق العرقي والدماء النقية وتضفي على نفسها هالات من الخرافة والقداسة والكرامات !!
اسمع يا صديقي: إذا سافرت خارج بلاد العرب ستتبادل الأفكار بلا حدود مع رجل غريب في مطعم أو مقهى، و ستتبادل الابتسامات مع امرأة حسناء في الشارع دون أن ينظر أحد إلى عرقك أو لونك أو عقيدتك ..غير أنك إنسان فقط؛ تشعر بإنسانيتك لأول مرة كما لم تشعر بها من قبل طيلة عمرك.
ستتعلم احترام غيرك لتنال احترامه. وستخجل لأشياء كنت تقترفها بلا مبالاة في وطنك كرمي عقب السيجارة أو البصق في الشارع أو عبوره والإشارة حمراء .
سوف تشتاق كل لحظة للوطن و الأهل و الأصدقاء، و ستفتقد جلساتهم و ضحكاتهم ومسامرهم في ليالي الشتاء الطويلة و رائحة الخبز والشواء و الكثير من التفاصيل. لكنك تخاف أن تعود يوماً، و إن عدت فلن تكون أكثر من زائرٍ عابر أو ميت في تابوت.. قد تقتل وأنت تحاول عبور الشارع ، وقد يصبح القبر في وطنك أقصى أمانيك !!
قال الثاني لصديقه :أما أنا فقد قررت العودة إلى أرض الوطن وسأبقى في الجنوب مسقط رأسي وقلبي فكل مكان فيه هو ألقي وضيائي.ومسقط قلبي ..
سأعود مع رفاق الصبا من شباب الوطن وكفانا غربة بعد أن لبينا النداء وخيارنا إما النصر أو الشهادة وسنهتف بصوت واحد:لبيك يا وطني
سنحميك يا وطني بأجسادنا ونفديك بأرواحنا ضد مغول العصر ..ومن أجلك ترخص الأرواح وإذا قدر لي الموت على ثراك في الضالع أو شبوة أو أي شبر في الجنوب فهذا منتهى أملي أن يتعفر وجهي بثراه الطاهر وحتما سأجد قبرا ليكون مثواي الأخير في أي مكان أسقط فيه .. ويكفيني أن يكتب على شاهده : هنا يرقد بسلام الشهيد المجهول !!
د.علوي عمر بن فريد