عمر علي البدوي يكتب:

سفير أميركي أكثر ملاءمة لدى الرياض

استقبل العاهل السعودي مطلع هذا الأسبوع عددا من السفراء المعينين حديثا لدى المملكة العربية السعودية، من بينهم سفير الصين الشعبية والولايات المتحدة وغيرهما.

السفير الأميركي المعين لدى الرياض هو جون أبي زيد الذي سلم نسخة من أوراق اعتماده لوزير الخارجية السعودي إبراهيم العساف الشهر الفائت، وشرع الآن في مزاولة أعماله رسميا بعد أن تسلم الملك سلمان أوراق اعتماده بقصر السلام بجدة. قد تأخر وصوله منذ ترشيح الرئيس دونالد ترامب له، وسجل بذلك أطول غياب لسفير أميركي عن الرياض منذ يناير 2017، بعد أن حصل على موافقة مجلس الشيوخ لتثبيته في مهمته الحالية.

ينتظر من السفير الجديد أن يكثف من مساعيه لتعميق حالة العلاقة الإستراتيجية التي تجمع البلدين، والتي تعيش أفضل مراحلها انسجاما في المواقف تجاه الملفات الكبرى في المنطقة (إيران- سوريا- اليمن)، مع بعض الخلافات (فلسطين) والتي قد يساعد وجود أبي زيد في تحسين ظروف التباين فيها، لاسيما وأن الرياض تشكل في خياراتها العمق العربي الأصيل مدعومة بإجماع عربي متين، في مواجهة مشاريع إقليمية دخيلة تنفذ عبر قضايا المنطقة إليها وتستثمرها لخدمة مشاريعها الابتزازية.

السفير الأميركي الجديد جنرال عسكري متقاعد وقائد سابق للقيادة الوسطى لعمليات أميركا في الشرق الأوسط وكان الرجل الثاني للقيادة المركزية الأميركية في حرب العراق عام 2003.

هاجر أجداده من لبنان إلى كاليفورنيا، ودرس عن الشرق الأوسط لسنوات في جامعة هارفارد، وجامعة عمّان، ويتحدث العربية بطلاقة. له خلفية عسكرية ودبلوماسية كبيرة وإلمام واسع بالمنطقة التي كانت ولا تزال محل انشغال الإدارات الأميركية على تعاقب رؤسائها والجالسين على مقاعدها.

كيف سيساعد سفير جديد يمتلك خلفية كافية لفهم الشرق الأوسط، في دعم توجهات السعودية لضمان استقرار المنطقة ومواجهة دعاة الفوضى وعواصم الخراب؟

كانت ولا تزال المنطقة بملفاتها المختلفة وعلاقاتها مع الولايات المتحدة تتمتع بحساسية عالية، إذ غابت عن المنطقة الظروف الطبيعية والعادية منذ مدة طويلة واستغرقت في سيرة طويلة من التحولات والعواصف التي لا تهدأ، وكان الحضور الأميركي يتذبذب بلا استقرار وظل محل جدل مستمر.

ولدى قراءة جملة من مواقف السفير الأميركي المعين أخيرا لدى أهم عواصم المنطقة وأكثرها تأثيرا، ندرك أنه يملك وجهات نظر متقاربة مع المشروع الذي تؤمن به وتقوده الرياض لإعادة ترتيب الإقليم على النحو الذي يوفر ضمانة لاستقراره وصونه من الأزمة التي يقاسيها الآن.

فهو يردد دائما -كان آخرها خلال حديثه إلى مجلس الشيوخ للحصول على موافقته لتعيينه سفيرا- أن “السعودية تلعب دورا محوريا في محاربة الإرهاب العالمي وتساهم بفاعلية في جهود قطع شبكات تمويل داعش”.

ويقول إن “تراجع أو تقليص العلاقات مع السعودية يضر الأمن القومي الأميركي، ويشعر بشرف كبير للعمل على تعزيز علاقة بلده مع السعودية”. كما يتهم إيران بـ”زعزعة استقرار المنطقة، وأن تزويدها لحزب الله بالسلاح يهدد ديمقراطية لبنان الهشة”.

وينتقد باندهاش، أثناء قيادته للقوات الأميركية في العراق، قدرة قناة الجزيرة القطرية على التواجد في مواقع الجرائم كلما كان هناك شخص مختطف أو مشكلة ما “وهذا تفصيل لافت للنظر”.

سيعزز وجود أبي زيد بخلفيته العسكرية وخبرته في العراق وجهة نظر السعودية في ملف المواجهة مع إيران، التي تشكل الخطر الذي يؤذي المنطقة ويقوض استقرارها، وينقل الصورة الكاملة لدى الرأي العام الدولي والأميركي في وجه الدعايات اليسارية التي تقدم صورة مغلوطة تسوق لادعاءات طهران واللوبيات النافذة هناك.

ويطوي مرحلة من الانسحاب والتلكؤ الأميركي الذي طبع سلوكها خلال الرئاسيات الماضية، ويقطع مع صفقات باراك أوباما المريبة على نحو ما جرى في الاتفاق النووي الإيراني بما أورثه للمنطقة من خلل وزيادة في عمر الورطات العميقة.

وأمام مشروع التحولات الاقتصادية الكبرى التي تشهدها السعودية في إطار رؤيتها لعام 2030، لاسيما في قطاع الصناعات العسكرية وتوطين الإنتاج الحربي، فإن الرياض مهتمة بتوسيع شراكاتها مع الجانب الأميركي وتسريع وتيرة التواصل بهذا الشأن، وسبق لأبي زيد أن تناول في أطروحته لنيل شهادة الماجستير التي أعدها في جامعة هارفارد، القرار السعودي بشأن الإنفاق الدفاعي، وكان مشرفا على الروابط العسكرية الأميركية مع السعودية حتى تقاعده في مارس 2007.