عماد الدين أديب يكتب:
معركة إسطنبول: أول مسمار في نعش العثمانيين الجدد
أعتقد جازماً أن يوم الأحد الموافق 23 يونيو 2019 كان من أسوأ أيام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
إنه اليوم الذي شهد فيه، وعايش بنفسه، الهزيمة الدامية لمرشح حزبه الحاكم عن مدينة إسطنبول بفارق 800 ألف صوت انتخابي.
إسطنبول ليست أي مدينة، فهي العاصمة التجارية، حيث يخترقها بحر البسفور وممر الدردنيل، وتعد البحر القاسم بين الجانب الأوروبي والجانب الآسيوي.
إسطنبول مطمع خلفاء آل عثمان، وزهرة المدن التركية، وعاصمة الفن والجمال في تاريخ هذا البلد، وموطن متحف «توب كابى»، والمسجد الأزرق، حيث توجد بردة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام.
ربيع أردوغان الذي جعل منه -بأمانة- في بداية حكمه مشروعاً واعداً، تحول تدريجياً إلى سلطة استبداد وغطرسة قوة تريد إعادة مجد الخلافة العثمانية التي قامت على شعارات تستخدم الإسلام ومبادئه الحقيقية التي تختلف تماماً عما فعلوا، وعما يفعل الرئيس التركي الآن.
إسطنبول حيث درس الصبي أردوغان، وانخرط في مدارسها الإسلامية، وأسهم في المشاركة في الحركة الإسلامية، وحيث عمل بائعاً للفاكهة، لتمويل دراسته الثانوية، وعاش شبابه وتم اعتقاله سياسياً، وتدرج في المناصب الحزبية وأصبح عمدة المدينة.
إسطنبول ليست مثل أي المدن بالنسبة لأردوغان، لذلك هي تحتل مساحة استثنائية في عقله السياسي وقلبه الإنساني.
لذلك كان صعباً عليه أن يقبل بالهزيمة لمرشح حزبه من أول مرة، وأقام الدنيا وأقعدها وشكك في نتائج تلك الانتخابات وضغط بكل الوسائل حتى يحكم القضاء بإعادة هذه الانتخابات وسط استنكار الاتحاد الأوروبي وذهول المراقبين.
الآن يعترف الرجل بهزيمة ثلاثية: هزيمة مرشحه، هزيمة حزبه، وهزيمة سياساته في الداخل والخارج.
فاز مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو بعد فرز 97٪ من الأصوات، أي له 4 ملايين وستمائة ألف صوت، بزيادة 732 ألف صوت عن التي حصل عليها في الجولة الأولى.
وكأن رسالة سكان إسطنبول التي يبلغ تعدادها 16 مليون نسمة يقولون لـ«أردوغان» مهما حاولت التأثير والضغط تذكر أن صوت الشارع أقوى وأمضى.
قد يكون التصويت في إسطنبول -ظاهرياً- على مرشح حزب حاكم، لكن الحقيقة كما أراها ويراها البعض هي أن ما تم في إسطنبول هو تصويت احتجاجي على سياسات أردوغان العصبية المتعصبة شديدة النرجسية التي تعيش في عالم من القوة الافتراضية.
وحتى لا يبدو أن هذا نوع من التحريض المفتعل في حق الرجل، تعالوا نستعرض قرارات الرئيس التركي في التو واللحظة:
1 - لدى أردوغان قوات في شمال الفرات، الأولى في العراق والثانية في سوريا.
2 - يحتل أردوغان منطقة يقطنها 7 ملايين مواطن سوري وعراقي.
3 - هناك بواخر سلاح ضُبطت على الساحل الليبي لدعم قوات «السراج» ترفع العلم التركي، وهناك وثائق ومضبوطات تثبت أن السلاح صناعة تركية.
4 - قامت البوارج التركية بحماية مجموعة من سفن وحفارات التنقيب عن الغاز في المنطقة البحرية التابعة قانوناً والمعترف بها دولياً أنها تحت السيادة وداخل الحدود البحرية اليونانية، ما أدى إلى قيام الاتحاد الأوروبي بتوجيه انتقاد شديد اللهجة لتركيا.
5 - هناك خلاف محتدم بين الخارجية التركية يتصاعد كل يوم مع مجلس وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي.
6 - هناك عقوبات أمريكية فرضتها إدارة «ترامب» على تركيا منذ عام.
7 - هناك خلاف شديد بين أردوغان وترامب بسبب إقدام تركيا على شراء صواريخ (إس 400) الروسية، بدلاً من نظام باتريوت الأمريكي.
8 - أوقفت وزارة الدفاع الأمريكية عمليات تدريب الطيارين الأتراك على المقاتلة الأحدث في سلاح الجو الأمريكي (إف35)، عقاباً وإنذاراً لموقف أردوغان من «الباتريوت».
9 - هناك خلافات بين أنقرة وكل من:
1 - الرياض.
2 - أبوظبي.
3 - المجلس الوطني الليبي.
4 - ألمانيا.
5 - النرويج.
6 - اليونان.
7 - روسيا (منذ إسقاط الطائرة).
8 - مصر، منذ سقوط حكم الإخوان.
9 - فرنسا.
10 - بريطانيا.
11 - الاتحاد الأوروبي.
12 - حلف الأطلنطي.
والأمر لا يخلو من التلاسن، أو السعي لإقامة قواعد عسكرية في جيبوتي والصومال والسودان وقطر.
ويدخل الرئيس أردوغان صراعاته وتسيطر عليه حالة «هيستيريا أيديولوجية» للدفاع عن كل ما هو إخواني، ويدعم -وبقوة- كل ما هو مناصر لدولة قطر، رغم عدم وصول الدفعات المالية القطرية، التي وعدت بها الدوحة أنقرة عقب محاولة الانقلاب الفاشل.
ربيع أردوغان الذي جعل منه -بأمانة- في بداية حكمه مشروعاً واعداً، تحول تدريجياً إلى سلطة استبداد وغطرسة قوة تريد إعادة مجد الخلافة العثمانية التي قامت على شعارات تستخدم الإسلام ومبادئه الحقيقية التي تختلف تماماً عما فعلوا، وعما يفعل الرئيس التركي الآن.