عماد الدين أديب يكتب:

مصر والإمارات والسعودية.. ثلاثية الاستقرار العربي

عدن

الأمن القوميّ العربي امام معادلة واحدة وحيدة: حياة أو موت.

الأمن القومي العربيّ يجب أن تكون ضمانته الوحيدة عربيّة لا شرق أوسطيّة عربية.

الأمن القوميّ العربي يجب أن يكون له مشروع عربي في مواجهة المشروعات الإيرانية الفارسية والتركية العثمانية والإسرائيلي الصهيونية.

ضمانة المشروع العربي هي دول الاعتدال العربي، وهي في نظري مصر والإمارات والسعودية.

من هنا، ومن هنا فقط يجب أن يكون التنسيق والتفاهم الاستراتيجيّان بين القاهرة وأبوظبي والرياض كاملين.

لا بدّ أن تكون العلاقات بين ثلاثتهم صريحة شفّافة منضبطة شديدة القوّة.
ما يربط الرئيس عبد الفتّاح السيسي بالشيخ محمد بن زايد والأمير محمد بن سلمان علاقات إنسانية متينة وقويّة، وبقدر غير مسبوق بين أيّ من الزعامات العربية

يجب أن لا يكون التفاهم على مستوى الزعامات العليا الثلاثة فقط، لكن يجب أن يكون على مستوى كلّ المؤسّسات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والأمنيّة.

بالتأكيد كما هو الحال بين كلّ الحلفاء، وعلى مرّ التاريخ، وفي كلّ زمان ومكان، يوجد نطاق تطابق كامل، وبالتأكيد هناك أيضاً نقاط اختلاف في الرؤى والمصالح وفق طبيعة المصالح والجغرافيا والأوضاع الداخلية والإقليمية.

الاختلاف ، في حال وجوده، يجب دائماً شرحه وفهمه وتنظيمه والبحث عن حلول جذريّة له أو على مراحل وتباعاً.

نسمع صدقاً أو كذباً عن بعض الملفّات بين العواصم الثلاث التي يجب أن لا نتركها للوقت أو الحلّ الذاتي فتتفاقم، بل يجب الإسراع في التفاهم عليها بدلاً من تفاقمها.

ما يربط الرئيس عبد الفتّاح السيسي بالشيخ محمد بن زايد والأمير محمد بن سلمان علاقات إنسانية متينة وقويّة، وبقدر غير مسبوق بين أيّ من الزعامات العربية.

ثلاثتهم ينتمون إلى مدارس الاعتدال السياسي، والوطنيّة لبلادهم، والبراغماتية في المصالح، والإيمان بالبعد القومي العربي.

من هنا نقول إنّ ضمانة الحفاظ على المشروع العربي، في عالم إقليمي مليء بالصراعات وينذر بانهيارات، ولا يخلو من المؤامرات الموجّهة من أدوات إيران وتركيا وإسرائيل، لن تجد مقاومة حقيقية لها إلا من خلال تفاهم كامل مصري-إماراتي- سعودي.

عالم فيه ارتباك أميركي استراتيجي وأخطاء تاريخية بالجملة من إدارة بايدن تجاه المنطقة، وفي عالم حدث فيه خروج أميركي مرتبك من أفغانستان، وإهمال أمنيّ عظيم في العراق، وتخلٍّ حقيقي عن إيجاد حلول لمشروع الدولتين فلسطين وإسرائيل، ورغبة غبيّة من واشنطن لإنجاز أيّ اتفاق بأيّ ثمن مع إيران، لا بدّ أن يكون التفاهم في الرؤى كاملاً.

وفي زمن لا يخلو من خطر إيراني على الإمارات، وتحريض من الحرس الثوري للحوثيّين ضدّ السعودية، ومساس بالأمن القومي العربي من خلال دور طهران في بغداد ودمشق وبيروت، يصبح التفاهم ضرورةً لا خياراً.

وفي زمن تُعاد فيه موازين القوى الدولية بين أقطاب العالم (واشنطن، موسكو، بكين، الاتحاد الأوروبي، مجموعة البريكس) لا بدّ أن تكون خياراتنا منسّقة استراتيجيّاً.

تبقى العلاقات الشخصية والثقافية بين زعماء الدول الثلاث مسألة جوهرية ومهمّة في تقدّم وتطوّر العلاقات الكلّيّة بين هذه الدول.

لقاءات الزعماء الثلاث في قمّة الخليج في جدّة، وقبلها زيارة الأمير محمد بن سلمان للقاهرة، وزيارة الشيخ محمد بن زايد وقمّته المهمّة في منتجع "العلمين" في مصر، وأخيراً الرسالة الشفهية التي بعث بها ولي العهد السعودي للرئيس السيسي مع وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، كلّ ذلك مهمّ وحيويّ وأساسيّ.

التهديدات الأمنيّة في البرّ والبحر والجوّ الحاليّة أو المقبلة لكلّ من الإمارات والسعودية يجب أن يواجهها الدور المصري، وأن يكون ضامناً لأمنهما، كما أكّد الرئيس المصري مراراً وتكراراً من أنّ "أمن الخليج من أمن مصر".

وملفّات مصر في مياه النيل وأمن ليبيا والسودان يجب أن تستفيد من زخم علاقات مصر القويّة بأبوظبي والرياض.

الآن، والحمد لله، مداخيل الخير من ارتفاع أسعار النفط والغاز في الأسواق دعمت قدرات الرياض وأبوظبي الماليّة وقوّتهما الاقتصادية، ودعمت صناديقهما الاستثمارية والسياسية.

والآن، كان قدر مصر أن تدفع فاتورتين باهظتين الواحدة تلو الأخرى، بدءاً من  أزمة كورونا وصولاً إلى أزمة الارتفاع الجنونيّ في استيراد النفط والقمح والحبوب والأسمدة.

باختصار نحن أمام وضع تتجلى أهمّ حقائق معادلته هي على النحو التالي:

1- عالم مرتبك كونيّاً.

2- نشاط متصاعد من خلال مشروعات تركية- إيرانية- إسرائيلية.

3- فراغ استراتيجي وارتباك إدارة بايدن تجاه المنطقة.

4- ارتفاع في الموادّ الاستراتيجية الأساسية يدعم الرياض وأبوظبي ويهدّد قدرات الاقتصاد المصري ومشروع الرئيس السيسي للإصلاح الشامل في الداخل.

حالة عدم التيقّن الكوني في المنطقة استراتيجياً وأمنياً واقتصادياً تحتاج إلى تعميق التنسيق الكلّي بين دول الاعتدال العربي.


نحن نتحدّث عن عالم ينتظر أن يعاني من ضعف غير مسبوق في مسائل الطاقة وانكماش ركوديّ مخيف، وزيادة في معدّلات البطالة، وتضخّم قاسٍ يهدّد أكبر اقتصادات العالم

المسألة اليوم، والتحدّيات الكونية والإقليمية اليوم، لا يمكن لقوّة واحدة منفردة أن تتصدّى لحلّها أو التصدّي لها.

نحن نتحدّث عن عالم فَقَد أكثر من ثلث إجمالي ناتجه القومي ما بين خسائر كورونا والحرب الروسية-الأوكرانية.

نحن نتحدّث عن عالم ينتظر أن يعاني من ضعف غير مسبوق في مسائل الطاقة وانكماش ركوديّ مخيف، وزيادة في معدّلات البطالة، وتضخّم قاسٍ يهدّد أكبر اقتصادات العالم، وصعوبات كبيرة في سلاسل الإمداد بالسلع الاستراتيجية، ونقص هائل في الحبوب والغلال والسلع الغذائية الأساسية.

يرشِّح كلّ ذلك دخول اقتصاد العالم موجةً ثالثةً قد تزلزل التماسك الاقتصادي وتهدّد الأمن الاجتماعي وحالة الاستقرار في العديد من الدول.

على الرغم من تأثيرات هذه الأزمة الكونية فإنّ دول الاعتدال العربي لديها قدرات وموجودات تؤهّلها لمواجهة أزمة العالم الاقتصادية واضطرابات المنطقة أمنيّاً.

يقدِّر الزعماء الثلاثة بعضهم بعضاً، ويكفي ما قاله الرئيس السيسي منذ ثلاثة أيام من أنّه لولا دعم دول الخليج ما استطاعت مصر أن تتجاوز الأزمة.

الزعامات الثلاث لمصر والإمارات والسعودية زعامات وطنية عربية تدعم سياسة تؤمن بالحفاظ على السيادة الوطنية في شؤون الأمن القومي من دون السماح بأيّ تدخّل خارجي فيها.

فهم الرئيس جو بايدن هذا الأمر في لقائه المنفرد بالزعامات الثلاث.

أدرك بايدن بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ هؤلاء على الرغم من حرصهم على العلاقة مع واشنطن إلا أنّهم لا يقبلون بأسلوب فرض سياسات أو منهج الإملاء من الخارج.

لقد سمع الرئيس بايدن من الشيخ محمد بن زايد كلاماً صريحاً عن عدم عدالة السلوك الأميركي تجاه المنطقة، والآثار السلبية للفراغ الاستراتيجي الذي تأثّرت به المنطقة بعد قرار بايدن إعطاء أولويّات الاهتمام لجنوب بحر الصين والمحيط الهادئ.

وأكّد الشيخ محمد بن زايد أنّ كثيراً من دول المنطقة التي تمثّل الاعتدال قامت بالتعاون مع واشنطن في الانسحاب الأميركي من أفغانستان وصيانة الصمود في فلسطين والعراق، لكن لم تُعامل أميركياً بالاهتمام والتقدير المطلوبين.

وفهم الرئيس بايدن من الرئيس السيسي أنّ مصر حريصة كلّ الحرص على العلاقة التاريخية مع واشنطن، لكنّها تقوم بخطوات الإصلاح في المجالين السياسي والاقتصادي بمعايير وطنية مصرية خالصة، وأنّه يتعيّن على "الأصدقاء" فهم ذلك بشكل عميق.

وفهم الرئيس بايدن من الأمير محمد بن سلمان أنّ السعودية التي تلعب دوراً إيجابياً في توفير احتياجات الطاقة لكلّ دول العالم تضع في اعتبارها الأوّل مصلحة مواطنيها من خلال قوانين العرض والطلب العالمية القائمة أساساً على علاقة عادلة بين المنتجين والمستهلكين، وتبنّي سياسات الكميّات والأسعار على أساس علميّ مدروس لا على أساس "مجاملات سياسية" مهما كان نوعها.

وأكّد ذلك وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان حينما صرّح بأنّ "شؤون كميّات وأسعار النفط لا تُناقش إلا في اجتماعات  "أوبك بلاس" وليس في أي مكان آخر"، مُلمّحاً بذلك إلى أنّ قرار الكميّات والأسعار هو قرار سيادي فنّي يُقرّره مجموع مصالح الدول المنتجة التي تقيّم اعتبارات العرض والطلب الدقيقة في الأسواق.

من هنا يجب استثمار هذه الرسالة التي وُجّهت إلى واشنطن، واعتبار أنّهم يمثّلون "جبهة واحدة ذات هدف واحد نهائي، قد تختلف في الرؤى أو التفاصيل أو الاجتهادات أو الحيّز الزمني للتنفيذ".

تخيّلوا معي، من قبيل التخيّل فقط، لو قام وزراء خارجية الدول الثلاث بتقديم رؤية لمسألة أو قضية في ورقة واحدة إلى الصين أو روسيا أو الولايات المتحدة الأميركية أو الاتحاد الأوروبي.

تخيّلوا معي لو تمّ التفاوض في احتياجات عسكرية أو صفقة تجارية مشتركة مع دولة عظمى. بالتأكيد ستكون قوّة التأثير كبيرة.

إقرأ أيضاً: لا مشروع عربيّاً بدون دول وطنيّة!

نحن أمام ثلاث دول رئيسة تمثّل الاعتدال العربي، مساحتها الجغرافية تُقارب ثلث مساحة العالم العربي، وتمتلك صناديقها السيادية قرابة تريليون دولار، وفيها دولتان أساسيّتان من حيث احتياطات النفط، ودولة واعدة من حيث احتياطات شرق المتوسط، وإجمالي قطعها الجوّيّة القاذفة المقاتلة وقطعها البحريّة هو الأكبر، ولديها ما يقارب من 850 ألف جندي وضابط عامل في قوّاتها البرّية، ولديها إنفاق عسكري سنويّ يقارب 65 مليار دولار.

يحتاج كلّ ذلك إلى التفاهم الحقيقي، والتنسيق الاستراتيجي الكامل، من أجل خدمة المصالح الوطنية في هذا الزمن المخيف المضطرب.

إنّه "تحالف القناعة الضرورية" الذي لا ينقصه إلا كيان مؤسّسي له كلّ مقوّمات التنسيق الاستراتيجي التكامليّ.