أحمد الربيزي يكتب لـ(اليوم الثامن):
فواز باعوم الثائر والإنسان
من أول حرف وضعت أصبعي على رسم الكلمات كي أقول كلمة في حق الفقيد المناضل (فواز باعوم) حملتني الذاكرة المتعبة و(المحتقنة) في رحاب شريط الذكريات، مررت أمام عيوني حبيسة الدمعة الآف الصور والآف الأصوات، التي تلوح كالوميض، وجوها بمختلف التعبيرات السعيدة والحزينة والمرتبكة، والبريئة، حتى لاحت أمامي عيني صورة الفقيد فواز باعوم (أبو رقية) ضاحكا بشوشاً يحاول جاهداً ان يظهر بتعبيرات أكثر حفاوة، وهكذا هو – الله يرحمه – على الرغم من تلقائيته التي تعبر عن حفاوته المعهودة اللطيفة، الاّ انه يحاول التفوق عليها عند لقاءاتنا المتعددة والمنقطعة بفترات متباعدة.
عرفت المناضل فواز باعوم صوتاً قبل ان اتعرف على شخصه الكريم كان صوته الحاد الذي يعبر أثير الهواء عبر تطبيق (البالتوك) يشد كل مستمع بحماس ثوري، وقد كان البالتوك - حينها - وسيلتنا للتواصل الثوري، والذي من خلاله نتبادل الاخبار والآراء كمجموعات، قبل واثناء انطلاقة الحراك الجنوبي، كان لفواز أسمه المعروف الذي يجاهر به علناً فيما كان لغالبيتنا أسمائهم المستعارة، وكذلك عرفته من خلال ما كان يكتب في منتدياتنا الجنوبية (منتدى صوت الجنوب العربي ) (منتدى الضالع بواب الجنوب) (منتدى شباب الجنوب) التي كان لها الفضل الكبير في التعرف على بعضنا، والتي صقلت مواهبنا وعلمتنا ابجديات الثورة، وفن كتابة الكلمة الثورية، لأنه - كما يقال- (في البدء كانت الكلمة).
أتذكر الكثير من المواقف التي خضناها في خضم النضال الثوري في عدن وكان لنا أول لقاء في منزل الأخ المناضل جمال عبادي في كريتر بوجود الكثير من المناضلين، أتذكر منهم، الصحفي المبدع أنيس البارق (شعيفان) والزميل ياسر عمر، وغيرهم من الشباب المناضلين كانت ضحكة فواز – الله يرحمه – مجلجلة، وحماسه منقطع النظير، ولا تفارقه البسمة وهو يحتفل بوجوده بين زملائه.
وتكرر لقاءاتنا، وكانت تستمر أيام ونحن نناقش قيام أول هيئة تنفيذية للحراك الجنوبي في عدن، برئاسة المناضل جمال عبادي، وكان فواز يتواصل معنا حينها شبه يوميا من المكلا.
وفيما بعد التقينا مرات كثيرة، وكان لمدينة (العسكرية) في يافع التي عسكرنا فيها لأيام عدة مع الوالد المناضل حسن باعوم وهو يؤسس لأول مجلس نضال يضم الكثير من مناضلي الحراك الجنوبي، ويعتبر ثاني مكون في الحراك الجنوب لكل محافظات الجنوب، وأول مجلس مدني للحراك الجنوب انه (المجلس الوطني لتحرير واستقلال الجنوب)، وذهبنا فيما بعد الى يافع حيث أقام (الزعيم) هناك لعدة أشهر.
آخر لقاءات كانت لي مع الراحل الفقيد فواز باعوم في بيروت، وكنا حينها هناك، وكان لبيروت ذكراها الخاصة التي لا تنتسي وحينها تعرفت على فواز الإنسان، فواز ذو الإحاسيس الفياضة، والحضور الجميل، والذوق الرفيع، فواز – الله يرحمه – ظلمته صورته الخشنة وجثته الكبيرة، فيما بين جنباتها قلب إنسان رقيق المشاعر، فنان الحس، يحفل بالكثير من دعابة الإنسان الودود، ومن حنان ودفئ الاخوة الصادقة التي تنط من بين ظهرانيه لتعبر عن نفسها.
كان الفقيد "فواز" نبيه، وسريع الفهم، واتذكر مرات كثيرة كان يتصل بي فور نشري لأي بيت شعر من أشعار أغاني المحضار، على صفحتي في " الفيس بوك"، وكان يعرف مقصدي من نشرها، ويفسرها لي ضاحكاً ومعجباً، وأتذكر ان ذات ليلة نشرت أغنية المحضار " خذ من الهاشمي ما تريده، واسمح برؤياه ياذا (الحسن)، فعرف مغزى ما رميت، ولم تكن الا أيام وحصل فعلا اللقاء التاريخي في بيروت بين الرئيس علي سالم البيض والزعيم حسن باعوم.
وهناك مواقف كثيرة، ستظل في ذاكرتي المثخنة بالأحزان لفراق واحد من رفقاء النضال الثوري الجنوبي الحافل.
رحم الله الفقيد المناضل فواز باعوم، وأسكنه فسيح جناته، لقد كان رحيله وسيظل خسارة كبيرة للوطن المنشود الجنوب العربي الذي طالما حلمنا ونحلم به.