هاني مسهور يكتب:
اليمن زوبعة في فنجان بريطانيا
مع اقتراب بوريس جونسون من 10 شارع داوننينغ خلفا لرئيسة الوزراء المستقيلة تيزيزا ماي سيكون الملف اليمني موعودا بكثير من الزخم المتوقع، فالرجل المنتظر وصوله إلى المنصب السياسي الأبرز كان وزيرا للخارجية وممثلا لبريطانيا في الرباعية الدولية التي تضم إلى جانب بريطانيا السعودية والإمارات والولايات المتحدة، وكان واحدا من الشخصيات البريطانية التي لعبت دورا حيويا في ترشيح مارتن غريفيث لتولي المهمة الدولية في اليمن.
البريطانيون يحملون إرثا تاريخيا يمنحهم الدوافع نحو اليمن، ولذلك كان من الملاحظ خلال هذه الحرب عدد القنوات المفتوحة مع مختلف الأطياف اليمنية، وقدرتهم على التواصل مع أكبر قدر من الأطراف، ولعل ما يحظى به المبعوث الأممي مارتن غريفيث من دعم سياسي برغم محدودية ما تحقق منذ استلامه المهمة منذ مطلع العام 2018، يعزز فكرة أن بريطانيا قادرة على حشد الدعم اللازم لرجلها في مهمة إيجاد موطئ قدم للبريطانيين في المستقبل اليمني.
تبدو تعقيدات الأزمة اليمنية مواتية للبريطانيين في أن يخوضوا غمار مستقبلهم بعد إتمام الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولعل هذا ما يدفعهم للحماس خاصة وأن الخطوة الأساسية في تفكيك المرجعيات الثلاث (المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والقرار 2216) نجح فيها غريفيث من خلال إنتاج القرارات الدولية المتعلقة بالحديدة (2451 و2452) وهي التي ساوت بين مختلف الأطراف اليمنية على خلاف القرار 2216، وهو ما يبرر الاستعصاء في تنفيذ اتفاق السويد الذي أصبح جامدا، ليس لعدم قدرة الأطراف على معرفة تفاصيله بل لأنه صنع توازنات ترفضها الأطراف اليمنية ولولا الضغط الدولي في ستوكهولهم ما كانت الأطراف لتوقع على الاتفاق.
جمود الوضع في الحديدة انعكس في الحملة الدعائية المناهضة لمارتن غريفيث، وبلغ الأمر بالحكومة الشرعية عبر رئيسها عبدربه منصور هادي درجة تقديم شكوى للأمم المتحدة انتهت بتثبيت غريفيث في موقعه، بينما سقط وزير الخارجية اليمني خالد اليماني من توازنات العملية السياسية التي لم تعد تحتمل شد الحبال بالحدود القصوى، وهو ما يتطلب مراجعة في جانب الحكومة الشرعية ليس لأدائها السياسي بل لما يجب أن يحدث عسكريا لتغيير التوازنات القائمة والتي أدت إلى الانسداد القائم.
المتغيرات يجب استيعابها وإدراك أن بريطانيا ستعمل بضغوط أقوى للدفع باتجاه إنهاء الصراع اليمني، وتحقيق مكاسب سياسية بريطانية تدعم حكومة المحافظين في حشد الشارع البريطاني نحو البريكست
في حال نجح بوريس جونسون في الوصول إلى منصب رئاسة الوزراء، وهذا احتمال كبير، فإن بريطانيا ستدعم بشكل أكبر خطوات غريفيث، وهذا يعني أن ما تم تنفيذه من انسحاب جزئي في موانئ الحديدة سينسحب على ملف الأسرى والمعتقلين بالضغط على الأطراف اليمنية بتبادل عدد من الأسرى والمعتقلين، وسيتم التنفيذ الجزئي لاتفاق السويد وهو ما سيعني الذهاب إلى المرحلة التالية والمعروفة بـ”الإطار السياسي”.
ما تتمسك به الشرعية من مرجعيات لم يعد في واقع السياسة ذا ثقل كما كان قبل اتفاق السويد. المتغيرات يجب استيعابها وإدراك أن بريطانيا ستعمل بضغوط أقوى للدفع باتجاه إنهاء الصراع اليمني، وتحقيق مكاسب سياسية بريطانية تدعم حكومة المحافظين في حشد الشارع البريطاني نحو البريكست دون تقديم تنازلات للأوروبيين عبر إشعار الشعب أن مستقبلهم في عودة النفوذ القديم لبريطانيا العظمى ولو كان على أشلاء بلد ممزق كاليمن.
بريطانيا مقبلة على مرحلة سياسية ستتزاحم فيها الملفات والأولويات، ومع ذلك سيكون ملف اليمن حاضرا بين أيادي السياسيين البريطانيين لاعتبارات مختلفة منها تثبيت بريطانيا في التوازنات الدولية واستعادة دورها السياسي الذي توارى في سنوات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما سيدفع بالبريطانيين لإبراز حضورهم عبر اليمن الذي لن يكون غير زوبعة في فنجان بريطانيا الذي سيشهد من الزوابع ما هو أكبر من أزمة اليمن.